38serv

+ -

تعيش بلادنا هذه الأيام أزمات متتابعة ومشكلات متصاعدة وهموما متعددة، أزمات اجتماعية ومشكلات في السياسة والعلاقات الدولية وإشكاليات في المجالات التقنية والخدمية، ومن تلك الأزمات والمشكلات التي شبت عن الطوق وتفاقم الحديث عنها: المشكلات الاقتصادية في المجتمع الجزائري.تحتل المشكلات الاقتصادية في عصرنا مكان الصدارة بالنسبة لغيرها من المشكلات، لأنَّ النّاس شُغِلوا بمعركة الخبز ولقمة العيش، حتّى “أصبح العامل الاقتصادي أبرز العوامل في قِيام الحكومات أو سقوطها، ونجاح السياسات أو إخفاقها، واشتعال الثورات أو خمودها، وكثيرٌ من حروب العصر الدائرة في قارَّات العالم الآن تكون ذات طابع اقتصادي”. وتكمن المشكلة الاقتصادية في سوء إدارة الموارد المتاحة للإنسان، والّتي يجب أن تُدار بالنّظر إلى الإمكانات والاحتياجات والحقوق والواجبات.لقد حثَّ الشّارع الحكيم على المُضِيِّ في التّكسُّب والعمل، بل قرَن مَن يفعَل ذلك بِمَن يُجاهِد في سبيل الله لقتال الكفار؛ فقال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ}. وقال صلّى الله عليه وسلّم: “ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طير أو إنسان، إلاَّ كان له به صدقة”. وقال صلّى الله عليه وسلّم: “ما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإنَّ نبيَّ الله داود كان يأكل من عمل يده”.وعلى الأمّة، كلّ الأمّة، أن تستنهض للاستِفادة من مواردها، وذلك لئلاَّ يكون ديدن بعض النّاس احتقار أو التّقليل ممَّا لدى الأمَّة والدول المسلمة من كفاءات، فنحن لدينا مواد خام تجعلنا من أغنى الأغنياء، ولكن نحن في حاجةٍ لاستِغلال هذه الموارد.والتَّنمية الاقتصادية في الإسلام هي فريضة وعبادة، بل هي من أفضل ضروب العبادة، وأنَّ المسلمين قادَّة وشعوبًا مقرّبون إلى الله تعالى بقدر تعميرهم للدّنيا، وأخذهم بأسباب التنمية الاقتصادية، وذلك بمفهومها الإسلامي الّذي يميّزها عن سائر المذاهب، والأنظمة الاقتصادية السّائدة، ذلك؛ لأنّ التنمية الاقتصادية الإسلامية بحسب تحليلنا لها هي تنمية شاملة، ومتوازنة، وغايتها الإنسان نفسه؛ ليكون بحقّ خليفة الله في أرضه.ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى أنّ الاقتصاد الإسلامي ينهج منهجًا يختلف تمامًا في الرؤية عند تعامُله مع المشكلة الاقتصادية؛ فلا يرى أنّ الموارد الاقتصادية في الطبيعة محدودة؛ وذلك انطلاقًا من حقيقة أنّ القرآن يتعامل مع المشكلة على قاعدة: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} إبراهيم:34، بمعنى أنّ الموارد المتاحة للاستخدام غير محدودة، وهي كافية لسدّ حاجة الإنسان، بشرط السّعي الجاد للتّحصيل، وعدم التّقاعس عن العمل؛ {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} التّوبة:105، ومراعاة الارتقاء بالأداء، وعدم التّكاسل في الإنتاج لتحقيق عائد مجزٍ على قاعدة: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} النجّم:39-41.إنّ الإسلام في حلِّه للمشكلة الاقتصادية لا يقف بالنسبة للفقراء موقف الأثرة، واللّامبالاة شأن الاقتصاد الرأسمالي، كما لا يقف بالنسبة للأغنياء موقف الكراهية، وتغذية الصّراع ضدّهم شأن الاقتصاد الاشتراكي، وإنّما هو يعمل على التّقريب بين الفئتين، وبالتّالي إحلال التّعاون، والتّكامل بينهما لا التّناقض والصّراع.والقضاء على هذه المشكلة يتمثَّل في: ضرورة تنمية الإنتاج مع عدالة التّوزيع، وأنّ أحدهما لا يغني عن الآخر، فوفرة الإنتاج مع سوء التّوزيع هو احتكار، واستغلال لا يسلّم به الإسلام، كما أنّ عدالة التَّوزيع إنتاج كافٍ، وهو توزيع للفقر والبؤس، وهذا ما يرفضه الإسلام.وتعاني الجزائر من “الفساد الكبير” الّذي يسيء فيه القادة في المستويات العليا من الحكم، مثل كبار الموظفين العموميين والإدارة العليا في المؤسسات المملوكة للدولة، استخدام سلطتهم كي يستفيدوا على حساب الجمهور. وهي تواجه أيضًا “الفساد الصغير”، أو إساءة الاستعمال اليومية للسلطة من جانب البيروقراطيين في الإدارة المركزية والسلطات المحلية على حدّ سواء.ويتجلّى الفساد الكبير من خلال منح عقود الأشغال العامة على أساس المحسوبية. وتحفل وسائل الإعلام الجزائرية بالاتّهامات عن قيام الشركات الأجنبية بدفع رشاوى ضخمة إلى شخصيات سياسية وموظفين من ذوي المراكز الرفيعة لضمان الحصول على العقود.ولا ننسى أيضا عاملا مهما جدا وهو انخفاض قيمة الدينار الجزائري بسبب الأزمة الّتي تلوح في الأفق، وهذا ما سيؤدّي إلى جعل القيمة الحقيقية للدَّيْن أكبر بكثير من قيمته الاسمية الأولى.كما أنّ الاقتصاد الجزائري يتخبَّط في دوامة لا نهاية لها تشكَّلت بوادرها من جشع الحكام وغياب نظرة مستقبلية وهشاشة الإطار المؤسساتي. ويمكن القول إن أكبر مشاكل الاقتصاد الجزائري، الّتي تحتاج إلى حلّ سريع، هي مشكلة حكم الأوليغارشية المالية، ويقصد بها السلطة السياسية المحصورة بيد فئة صغيرة من رجال الأعمال.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات