38serv
إن وظيفة أهل العلم هو بيان وجه الحق فيما يعتقدونه، سواء أخذ به من وجه إليهم أم لا! ووظيفة وُلّاة الأمور هي تنفيذ هذه الأحكام على الرّعية بما منحهم الله من سلطة على العامة، وهذا فيما كان أمره الشأن العام، وإلّا كلّ نفس بما كسبت رهينة، فيما كان بينهم وبين ربّهم، وليس للسلطان دخل فيه.ورأيت من ردود أهل العلم، وبعض العامة ما يحتاج إلى إزالة هذا اللّبس، فأقول وبالله التّوفيق أنّ الفقهاء اتّفقوا أنّه يجوز للمرأة أن تتولّى أيّ منصب وظيفي ما عاد منصب الإمامة العظمى. واختلفوا في منصب القضاء، بين مانع لها منه بالكلية، وبين مانع فقط لقضاء الجنايات. وأنّهم اتّفقوا على عدم جواز إمامة المرأة للرّجال في الصّلاة. وأنّهم اختلفوا في إمامتها للنّساء والجمهور على منعها من ذلك، والتّحقيق: جواز ذلك لحديث أمّ ورقة رضي الله عنها، بشروطه وضوابطه. كما اتّفقوا على جواز تدريس المرأة للنّساء سواء في المسجد أو غيره. واختلفوا في تدريسها للرّجال في المسجد أو خارجه، وفي المسألة تفصيل.التدريس خارج المسجدلقد أضحى تدريس المرأة للرجال والنساء في المؤسسات التعليمية كالمدارس والجامعات والمعاهد، ممّا عمّت به البلوى بسبب الاختلاط.ولكن أجاز العلماء ذلك بضوابط، كلّها تصبّ في مقصد واحد هو أمن الفتنة، وللوصول إلى هذه الغاية وجب إعمال كلّ القواعد الشّرعية الخادمة لهذا المعنى من: قاعدة سدّ الذّرائع، وقاعدة المصلحة والمفسدة، وقاعدة عموم البلوى، وقاعدة الاحتياط، وقاعدة المٱلات... وكلّها قواعد تسيج هذا الفعل خشية أن يفضي إلى ما لا تحمد عقباه.وأمسى هذا السّلوك متعارف عليه، بين ملتزم بأحكام الشّرع وضوابطه، وبين متنصل عنه تحت دعوى الحرية بكلّ ما تحمله من معان. ولقد شهد التاريخ الاسلامي الحافل بأسماء لكثير من العالمات اللّواتي تلقى على أيديهنّ الرجال، وتجاوز عند بعضهم أكثر من ثمانين عالمة أخذ عنها، وخاصة في علم الحديث، والمتتبّع لكتب التّراجم يقف على هذه الحقيقة العلمية التاريخية. ولكن لم يؤثر نقل عن طريقة التلقي هل كانت من وراء حجاب ساتر، أم مباشرة، ولكن بحجبهنّ الساتر.تدريس النساء الرجال في المساجدكما هو معروف أن مراكز العلم كانت المساجد ابتداء ثمّ استحدثت التكايا والزوايا والمدارس والمحاضر... فكان التّدريس من خصائص المساجد في العهد الأوّل، ولم أقف في حدود اطلاعي على من درّست في مسجد وأخذ عنها العلم في المسجد. وكلّ ما أثر عن الصّحابيات، وعلى رأسهنّ أمّنا عائشة رضي الله عنها، كان من وراء حجاب، أي من وراء ستار وليس مباشرة. ولم يزل الحال على ذلك حتّى استحدثت مراكز العلم من غير المساجد، وعرف فيه التّدريس لكثير من العالمات، ولكن لم تنقل لنا صورة التّعليم، هل كانت مباشرة أم من وراء حجاب؟ وعليه لا بدّ من قراءة أيّ نازلة قرأت تجمع بين فقه الواقع وفقه الواجب.فقه الواقعومن بين قضايا العصر تولّي المرأة مناصب سامية في الدولة كرئيسة أو وزيرة أو والية أو مديرة... وأصبح لكلّ مؤسسة بروتوكولات وتقاليد رسمية يجب الالتزام بها طوعًا أو كرهًا.فقه الأحكاملا شكّ أنّ هذا الأمر أثار حفيظة كثير من المتديّنين، بين متشدّد في الموقف ومنكر له بالجملة، وبين مستغرب له وبين مرحّب به واعتباره سلوكًا عاديًا ويتماشى مع الواقع المعاش.وإنّ تولّي المرأة هذه الوظائف ليس حرامًا، ولا عيبًا، ما إن التزمت بضوابط الشّرع في أداء مهامها. وأنّ تدريس المرأة للرجال في المساجد لأيّ فنّ من فنون العلم ليس حرامًا، إذا كانت ملتزمة بالضّوابط الخمس: الحجاب الشّرعي. وعدم الخضوع بالقول، بحيث تتصنع فيه أو تترخم ممّا يؤثّر في نفس النساء فضلًا عن الرجال. ولا حرج في الاختلاط، ولكن من غير احتكاك أو الالتصاق بالرجال، وقد كان مسجد رسول الله من غير ساتر بين الجنسين. وعدم المبالغة في الزينة الظاهرة من مساحيق أو عطر جاذب برائحته لكلّ قريب. والحاجة إليها فيما هي أهله له، وليس في الرجال من يقوم مقامها أو في مستواها.
* أستاذ الشّريعة والقانون بجامعة وهران
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات