38serv
يروي الشيخان في صحيحيهما من حديث أمِّنا عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه»، قال الإمام النووي: فيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه بالرفيق.إنّ من تأمَّل ما احتوى عليه الشّرع الحكيم من الرّفق واليسر علم أهمية ذلك في حياة المسلم، والأحكام عندما شرعها ربّنا راعى الرّفق في ذلك، فلم تشرع جملة واحدة، كلّ ذلك رفقًا بالمكلّفين، وهو تعالى يعطي على الرّفق ما لا يعطي على الشّدّة والعنف، ففي الصحيح: «إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق في الأمر كلّه»، والرّفق من العبد لا ينافي الحزم، فيكون رفيقًا في أموره متأنيًا، ومع ذلك لا يفوت الفرص إذا سنحت، ولا يهملها إذا عرضت:فَقَسَا ليزدجروا ومن يك راحمًا فليَقْسُ أحيانا على من يرحموأمر المولى سبحانه نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بلين الجانب والرّفق بالخلق فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، ويروي مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله رفيق يحبّ الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه».والرّفق من أفضل الأخلاق وأجلّها، وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا، فلا يكون في شيء إلّا زيَّنه وجمّله وحسّنه، ولا ينزع من شيء إلّا شانه وعابه وقبَّحه، يروي مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الرّفق لا يكون في شيء إلّا زانه، ولا ينزع من شيء إلّا شانه». ومن أعطاه الله الرّفق فقد أوتي خيرُا كثيرًا، من الثّناء الحسن والتّوفيق، وصلاح البال، وطمأنينة النّفس، ونيل المطالب، وتحقيق المآرب، ذلك بأن المتأني الذي يأتي الأمور بسكينة ورفق، اتباعا لسنن الله في كونه، وإتباعا لسنة نبيه، فإنّ من كان هذا شأنه تيسّرت أموره، ومن كان آمرًا للنّاس ومرشدًا، فإنّه لا بدّ من الرّفق واللّيْن بهم. وكذلك من آذاه الخلق بالأقوال القبيحة والأفعال المشينة عليه أن يصون لسانه عن مشاتمتهم، ويدافع عن نفسه برفق ولين، فإن ذلك من شأنه أن يدفع عنه مِن أذاهم ما لا يندفع بمقابلتهم بمثل مقالهم وفِعلهم، فبذلك يكسب الرّاحة والطمأنينة والرّزانة والحلم.ودخول الرّفق على أهل بيت علامةُ خير: «يا عائشة ارفقي، فإنّ الله إذا أراد بأهل بيت خيرًا، دلّهم على باب الرّفق»، وكان عليه السّلام من أكثر النّاس رفقًا بأصحابه، ففي الصحيح من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتيتُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيمًا رفيقًا، فلمّا رأى شوقنا إلى أهالينا قال: «ارجعوا فكونوا فيهم، وعلّموهم وصَلُّوا، فإذا حضرت الصّلاة فليؤذّن لكم أحدكم، وليؤمُّكُم أكبركم».وكان صلّى الله عليه وسلّم يحثّ أصحابه على الرّفق بالنّاس، قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله النّاس، فقال لهم صلّى الله عليه وسلّم: «دعوه، وأهريقوا على بوله سجلًا من ماء، أو ذَنوبًا من ماء، فإنّما بعثتم ميسّرين، ولم تبعثوا معسّرين». ولمّا بعث أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قال لهما: «يسِّرا ولا تعسِّرَا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعَا ولا تختلفَا»، وكان صلّى الله عليه وسلّم يحثّ أهل بيته على الرّفق، ففي الصحيح: أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم، فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله وغضب الله عليكم، قال: «مهلًا يا عائشة، عليك بالرّفق، وإيّاك والعنف والفحش»، قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: «أولم تسمعي ما قلتُ؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في».كما حثّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولاة أمور المسلمين على الرّفق بالرّعية: «اللّهمّ مَن وليَ من أمر أمّتي شيئًا فشقّ عليهم فاشْقُق عليه، ومَن وليَ من أمر أمّتي شيئًا فرَفِق بهم فارْفُق به»، بل إنّه صلّى الله عليه وسلّم حثّ أمّته على الرّفق بالحيوان: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتُم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، ولْيُحِدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته». ومن هنا فحريّ بالمسلم أن يكون رفيقًا في جميع شؤونه، رفيقًا في معاملة أهله وأولاده، وإخوانه وأصدقائه وعموم الخليقة، فمن كان هذا حاله فالنّفوس ترتاح له، والقلوب تأنس به، والصّدور تنشرح له، فإذا فعل ذلك فقد أُعطي خيرًا كثيرًا، وإلّا كان من المحرومين: «مَن يحرم الرّفق يحرم الخير كلّه». والله وليّ التّوفيق. * إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي – براقي
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات