38serv
يحتفي العالم، في 18 ديسمبر من كلّ عام، باليوم العالمي للغة العربية. وصدر في هذا اليوم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973م لإدخال اللغة العربية إلى لغات المنظومة الأممية المعتمدة، إلى جانب الإنجليزية والصينية والإسبانية والفرنسية والروسية.يهدف اليوم العالمي للغة العربية إلى إبراز أهميتها وتوجيه الضّوء إليها، وإبراز أهمية عمل مشاريع تخدم اللغة العربية، وتعزيز دورها محليًا ودوليًا، والمشاركة بانتشارها، والاعتزاز والافتخار بها، مع لفت انتباه العالم للحضارة العربية وأصولها، ونشر الدّين الإسلامي حيث أنّ لغة القرآن هي اللغة العربية، إلى جانب تشجيع المؤسسات اللغوية على استكمال أداء الرسالة، وغرز أساسيات اللغة العربية في نفوس الأجيال.واللغة العربية هي لغة القرآن الكريم والحديث النّبويّ والشعر العربي، وتتميّز بثراء مفرداتها وغنى تراكيبها وأصالتها، وهي أكثر اللغات تحدّثًا ونطقًا ضمن مجموعة اللغات السّامية، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، يتحدّثها أكثر من 450 مليون نسمة، وهي لغة تعبّد لأكثر من مليار ونصف المليار مسلم. وقد نزل القرآن الكريم باللغة العربية؛ قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، والرّسول صلى الله عليه وسلم خاطب قومه العرب بلسانهم؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ..}. وهكذا فإنّ الأساسين الأَوّلين لهذا الدّين (القرآنَ والسّنّةَ) هما باللغة العربية، ولا يمكن فهمُهما، ومعرفةُ أسرارِهما، واستنباط الأحكام منهما لغير المتمكّن من هذه اللغة المباركة.لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم، وحملوا معه لغة القرآن العربية واستعربت شعوب غرب آسيا وشمال إفريقية بالإسلام فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة القرآن، أي أنّ حبّهم للإسلام هو الّذي عرّبهم، فهجروا دينًا إلى دين، وتركوا لغة إلى أخرى.وقد شارك الأعاجم الّذين دخلوا الإسلام في عبء شرح قواعد العربية وآدابها للآخرين فكانوا علماء النّحو والصّرف والبلاغة بفنونها الثلاثة: المعاني، والبيان، والبديع.إنّ الأمّة العربية أمّة بيان، والعمل فيها مقترن بالتعبير والقول، فللغة في حياتها شأن كبير وقيمة أعظم من قيمتها في حياة أيّ أمّة من الأمم. إنّ اللغة العربية هي الأداة الّتي نقلت الثقافة العربية عبر القرون، وعن طريقها وبوساطتها اتّصلت الأجيال العربية جيلًا بعد جيل في عصور طويلة، وهي الّتي حملت الإسلام وما انبثق عنه من حضارات وثقافات، وبها توحّد العرب قديمًا وبها يتوحّدون اليوم ويؤلّفون في هذا العالم رقعة من الأرض تتحدّث بلسان واحد وتصوغ أفكارها وقوانينها وعواطفها في لغة واحدة على تنائي الديار واختلاف الأقطار وتعدّد الدول.ولقد أفضى التقدم العلمي والاستخدام الواسع النطاق للغات العالمية مثل الإنجليزية والفرنسية إلى حدوث تغيّرات عديدة في اللغة العربية، حيث أخذت هاتان اللغتان الأجنبيتان تحلّان تدريجيًا محلّ اللغة العربية، سواء كان في التّواصل اليومي أو في المجال الأكاديمي.وفضلا عن ذلك، قلّ استخدام اللغة العربية الفصحى مع تزايد أعداد الّذين اختاروا استخدام اللّهجات العربية المحلية، ممّا ولّد حاجة متنامية إلى صون سلامة اللغة العربية الفصحى بجعلها تتماشى مع متطلّبات المشهد اللغوي المتغيّر في يومنا هذا.إنّ للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كلّ أمّة فإنّها الأداة الّتي تحمل الأفكار، وتنقل المفاهيم فتقيم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمّة الواحدة، وبها يتمّ التّقارب والتّشابه والانسجام بينهم.إنّ القوالب اللّغوية الّتي توضع فيها الأفكار، والصّور الكلامية الّتي تصاغ فيها المشاعر والعواطف لا تنفصل مطلقًا عن مضمونها الفكري والعاطفي. يقول مصطفى صادق الرافعي: (إنّ اللّغة مظهر من مظاهر التاريخ، والتاريخ صفة الأمّة. كيفما قلّبت أمر اللغة من حيث اتصالها بتاريخ الأمّة واتصال الأمّة بها وجدتها الصفة الثابتة الّتي لا تزول إلّا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمّة من تاريخها).إنّ الموقف يلقي أمامنا مشكلة النّهوض باللّغة العربية وقدرتها على الوفاء بحاجات أهلها في هذه الحياة الجديدة سواء في ميدان العلوم أو الفن أو الأدب بأغراضه وآفاقه الحديثة، أو في ميدان الحياة العملية بما فيها من مستحدثات لا ينقطع سيلها. كما يدفعنا باتجاه التّحرّر من آثار عصور الانحطاط من جهة ومن التّقليد الأجنبي والعجمة الجديدة الّتي أورثنا إيّاها عصر الاستعمار والنّفوذ الأجنبي من جهة أخرى.إنّ المطلوب تكوين وعي لغوي صحيح يساير وعينا السياسي والفكري بل هو الأساس لتكوين تفكيرنا تكوينًا صحيحًا، والأخذ بأيدينا نحو الوحدة اللّغوية والتّحرّر اللّغوي والقضاء على التّجزئة والشعوبية أو النّفوذ الأجنبي في ميدان اللّغة والفكر. يقول الشّيخ البشير الإبراهيمي في فضل وأهمية اللّغة العربية: (لو لم تكن اللّغة العربية لغة مدنية وعمران، ولو لم تكن لغة متّسعة الآفاق غنية بالمفردات والتّراكيب، لما استطاع أسلافكم أن ينقلوا إليها علوم اليونان وآداب فارس والهند، وَلَأَلْزَمَتْهُم الحاجة إلى تلك العلوم تعليم تلك اللّغات، ولو فعلوا لأصبحوا عربًا بعقول فارسية وأدمغة يونانية، ولو وقع ذلك لتغيّر مجرى التاريخ الإسلامي برمّته... لو لم تكن اللّغة العربية لغة عالمية لما وسعت علوم العالم، وما العالم إذ ذاك إلّا هذه الأمم الّتي نقل عنها المسلمون. وقد كانت هذه اللغة في القرون الوسطى، يوم كان العالم كله يتخبّط في ظلمات الجهل، هي اللغة الوحيدة التي احتضنت العلم وآوته ونصرته).
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات