38serv
يقول الحقّ سبحانه: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}. ويقول: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}.ربّنا سبحانه خلق عباده ولم يتركهم هملًا، فلولاه سبحانه لما درينا ماذا نفعل أو أين نتّجه ولا كيف نتصرّف وماذا نأتي وماذا نذر، وهذا معنى البيان الرّبّاني: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا}، هذه الآية العظيمة جاءت بعد بيان صفات القيامة، فخُتم الكلام بعد ذلك بإقامة الدّلالة على وجودها، وهي أنّه لولا القيامة لما تميّز المطيع من العاصي، ولا الصّديق من الزنديق، وحينئذ يكون خلق هذا العالم عبثًا، وأمّا الرّجوع إلى الله تعالى فالمراد إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه.اعلم رعاك الله أنّه ليس في أفعال الله عبث، فالله تعالى خلقنا ونظّم حياتنا بشرعه وبمنهجه، وبأوامره ونواهيه، فبيّن لنا الحلال والحرام، كما بيّن لنا ما يصلحنا وما يفسدنا، ومع ذلك يأتي الشّيطان إلى ضعاف النّفوس والإيمان، وإلى الجهلاء والبسطاء والدّهماء فيلبِّس عليهم ويصرفهم إلى الغَواية، وإلى التّعلّق بغير الله، فيهوى الإنسان وتضيع عليه حياته وأُخراه.إنّ التّعلّق بالله والتّوكّل عليه والالتجاء إليه والاكتفاء بما شرع، فيه العزّة والقوّة والصّلابة والهيبة والعافية والنّجاة، وأمّا التّعلّق بالتّمائم والحروز والتّعاويذ والسّحرة والمشعوذين والرُّقاة الدّجاجلة والعرّافين، فكلّ ذلك ضعف ومرض وذنب، بل قلّة عقل قد يخرج صاحبه من الملّة عياذًا بالله.سيّد الخلق عليه الصّلاة والسّلام ما ترك خيرًا إلّا دلّنا عليه، ولا شرًّا إلّا حذّرنا منه، وممّا حذّرنا منه تعليق التّمائم والحروز والكتب، فنهانَا عن تعليقها على أجساد الأولاد والدّواب والسّيارات والبيوت والمتاجر؛ لأنّها لا تقي ولا تمنع لا من الحوادث ولا من الخسائر، ولا من الآفات ولا من المخاطر: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه}، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}، لكنّه للأسف الجهل والغباء وضعف الإيمان يعصف بصاحبه ليورده المهالك. فيا مَن تعلّق تميمة معتقدًا أنّها تشفي وتحمي، وتمنع وتنفع، اعلم أنّ نبيّك صلى الله عليه وسلم قال فيها: “مَن علّق تميمة فقد أشرَك”، كما قال: “إنّ الرُّقى والتّمائم والتِّوَلةَ شرك”. فمن اعتقد فيها أنّها تشفي وتمنع وتحفظ من دون الله، فقد وقَع في شرّ مستطير.وصور التّمائم الّتي يتّخذها البعض كثيرة؛ منها الرّبطات الّتي يلبسها خصوصًا الشباب في الأيدي وفي الأعناق وحول البطن، ومنها الخرز وصور الكفّ والقفل وصور حدوة الحصان، وصور العيون الزّرقاء إلى ما لا نهاية ممّا يتّخذه ضعاف العقول. ولو سألت أحدًا من معلّقي هذه السّخافات لكانت الإجابة في معظم الأحيان كنوع من التّقليد، ومع أنّه تقليد أعمى، ومع ذلك فإنّ إبليس مداخله خطيرة، فمن التّقليد إلى الاعتقاد والشّعور بالرّاحة والسّعادة والطمأنينة، فإذا حقّق نجاحًا ما ركبه الوهم بأنّ تلك التّميمة فعلت فعلتها!!، وهذا معنى البيان القرآني: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ}، والحقيقة خلاف ذلك، فلا نجاح ولا فلاح ولا سعادة ولا طمأنينة في هذه التّمائم، ويكفي شرًّا معلّقيها دعاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم: “مَن تعلّق تميمة فلا أتَمّ الله له، ومن تعلّق وَدَعَةً فلا وَدَعَ الله له”. فلنُفوّض أمرنا إلى الله ولنتقيّد بشرعه وسُنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، ولنعتقد جازمين بأنّ الله تعالى وحده بيده الضُّرّ والنّفع، وأنّ مقاليد الأمور بيده، وتدبير كلّ شيء إليه، وأنّ ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.وما تعليق هذه التّمائم والحروز والكتب إلّا بُعد من الله، حتّى وإن كانت مكتوبة بآيات قرآنية فإنّه لا يجوز تعليقها، فعند ابن ماجه من حديث عمران بن الحصين أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلًا في يده حلقة من صُفْر فقال: “ما هذه الحلقة؟” قال: هذه من الواهنة (عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلّه)، قال: “انزعها فإنّها لا تزيدك إلّا وهنًا”، وأقبل على المصطفى عليه الصّلاة والسّلام رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وتركت هذا، قال: “إنّ عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها فبايعه وقال: “من علق تميمة فقد أشرك”. والله وليّ التّوفيق.إمام مسجد عمر بن الخطّاب، بن غازي - براقي
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات