كتب الموبذان (قاضي القضاة بالفرس): ”من كسرى ملك الملوك إلى النّعمان بن المنذر، أمّا بعد، فوجِّه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه”. فوجّه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن بعيلة الغسّاني.. فلمّا ورد عليه قال له: ”ألك عِلْمٌ بما أريد أن أسألك عنه؟”، قال: ”ليخبرني الملك أو ليسألني عمّا أحبّ، فإن كان عندي منه علم وإلاّ أخبرته بمَن يعلمه”، فأخبره بالّذي وجّه إليه فيه. قال: ”علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح”. قال: ”فأته فاسأله عمّا سألتُك عنه ثمّ ائتني بتفسيره”.فخرج عبد المسيح حتّى انتهى إلى سطيح وقد أشفى على الضّريح، فسلّم عليه وكلّمه فلم يرد عليه سطيح جوابًا فأنشأ يقول: ”أصم أم يسمع غطريف اليمن” في أبيات ذكرها. قال فلمّا سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول: ”عبد المسيح على جمل مشيح إلى سطيح وقد أشفى على الضّريح، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النِّيران ورؤيا الموبذان، رأى إبل صعابًا تقود خيلاً عرابًا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح إذا كثُرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة وفاض وادي السّماوة، وغاضت بحيرة سأوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شامًا، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشّرفات وكلّ ما هو آت آت”. فلمّا قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بما قاله سطيح، فقال كسرى: ”إلى أن يملك منّا أربعة عشر ملكًا كانت أمور وأمور”. فملك منهم عشرة في أربع سنين وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي اللّه عنه.ومن هذه الخوارق أنّ الجنّ تصيح وترجف ممّا حصل لهم من الخوف والرّهب، ويتكلّمون مع أوليائهم فيما دهمهم من ذلك، والأنوار الّتي ظهرت يوم مولده صلّى اللّه عليه وسلّم مرتفعة في الآفاق والبرهان الحقّ يظهر من المعاني الّتي آتت بها الكتب المنزّلة ومن الكلام الّذي نطقت به ألسنة الأحبار والرّهبان ولكن عمّوا، فلم يَبصروا بارقة الإنذار وصمّوا فلم يسمعوا إعلان البَشائر من بعد إخبار الكُهّان لهم بأنّ دينهم المعوَج لا يدوم ولا يستقيم، ومن بعد الّذي عاينوه من شعل النّار النّازلة من السّماء على الشّياطين المسترقين السّمع على وفق تنكيس الأصنام الّتي في الأرض، إلى أن ذهب كلّ شيطان هارب عن أبواب السّماء وصار يتبع أثر شيطان هارب مثله.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات