38serv
من الصعب جدا تصور كيف سيتناول ماكرون ملف الذاكرة في عهدته الثانية لعدة أسباب، ومنها الخطأ الذي ارتكبه كل المتتبعين دون استثناء بمن فيهم صناع القرار في الجزائر في توقعاتهم حول هذا الملف بعد انتخابه رئيسا لأول مرة، فكلنا نعلم أن ماكرون، قبل توليه الرئاسة، وبالضبط أثناء حملته الانتخابية، كان قد جرم الاستعمار الفرنسي صراحة عند زيارته إلى الجزائر، بل أعاد نفس الكلام في عدة دول إفريقية قد زارها في شهوره الأولى لتوليه المنصب، فكان دائما يشير إلى برغماتيته، وهو ما لا ينفيه أي كان بحكم شغله وظائف بنكية، حيث المصالح الاقتصادية والمالية هي الطاغية عليه، كما كان يردد أنه من جيل الشباب، فهو لا علاقة له لا بالاستعمار ولا بحرب التحرير الجزائرية، وهو ما يعني أنه بإمكانه طي ملف الذاكرة مع الجزائر، بل إمكانية الذهاب حتى إلى درجة تجريمه للاستعمار رسميا وهو على رأس الدولة الفرنسية، خاصة أنه براغماتي، أي إمكانية تضحيته بمسائل يراها رمزية لصالح مسائل اقتصادية وجيو-استراتيجية يعتبر أنها جوهرية بالنسبة لفرنسا.
لعل كل هذه العوامل هي التي جعلت الكثيرين، ومنهم الرئيس تبون، يعلقون آمالا كبيرة على تحقيق تقدم كبير في ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا الذي يعد عاملا مؤثرا في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، بسبب الضغط الشعبي في الجزائر بشأن هذا الملف الذي لا يمكن إهماله، لكن وقع ما لم يكن في الحسبان تماما مع ماكرون بانقلابه 180 درجة، فانتقل من النقيض إلى النقيض في هذا الملف في غضون سنوات، إلى درجة وصوله إلى حد نفي وجود حتى الأمة الجزائرية التي لم يقل بها حتى أبشع الكولونياليين بعد 1962، فتوترت العلاقات بشكل كبير بين الدولتين الجزائرية والفرنسية، هذا ما يفسر لنا صعوبة تصور مستقبل هذا الملف مع ماكرون الذي أشرنا له في البداية، إضافة إلى تحولات كبرى على صعيد العلاقات الدولية مثل إمكانية توسع الحرب الروسية - الأوكرانية بكل تأثيراتها سواء على الجزائر أو فرنسا، خاصة في قضية المحروقات، وعلى رأسها الغاز الذي تحتاجه فرنسا مقابل القمح الذي يمكن أن يدفع الجزائر للجوء إلى فرنسا لتعويض انخفاض إنتاجه في كل من روسيا وأوكرانيا.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات