الرياض تشهد إصدار “إعلان القيم الإنسانية المشتركة”

38serv

+ -

اختتمت أعمال ملتقى “القيم المشتركة بين أتباع الأديان” الذي جمع كبار علماء المسلمين وقياداتهم من دول العالم الإسلامي ودول الأقليات الإسلامية في العاصمة الرياض، حيث عقدوا تحت مظلّة رابطة العالم الإسلامي أهمَّ حدث ديني دولي استضافوا خلاله الممثلين الرئيسيين لكافة أتباع الأديان، بحضور قيادات دينية وفكرية متنوّعة.وانطلاقًا من المبادئ الدّينية المشتركة، واستنادًا إلى المواثيق الدولية الدّاعية إلى تجسيد القيم الإنسانية بروح جادة وصادقة، واستحضارًا للواجب المنوط بالقيادات والرموز والكيانات الدّينية وتأثيرها العميق في وجدان الشّعوب؛ أصدر الملتقى إعلان ‘القيم الإنسانية المشتركة’، والّذي توافق فيه المشاركون على تأكيد مركزية الدّين في كلّ حضارة نظرًا لتأثيره في “صياغة أفكار المجتمعات البشرية”، و”إلهامه الروحي للمؤمنين به”، مشدّدين على ضرورة عدم الخلط بين الدّين والممارسات الخاطئة لبعض أتباعه، وعدم توظيف الدّين لأيّ هدف يَخْرُج عن معناه الرّوحي الإصلاحي.وأكّد المشاركون في الإعلان، حاجة العالم المتزايدة إلى تفعيل الآليات الدولية لحلّ النّزاعات من خلال: “إرادة جادة وعزيمة قوية وتدابير حكيمة”، معتبرين أنّ لقاءهم الأخويّ فُرصة سانحة للتّعبير عن رؤاهم المشتركة، والإسهام بفاعلية في تصحيح المسار الإنساني المعاصر.واتّفقوا على وجوب تفهُّم الخصوصيات الدّينية لكلّ دين أو مذهب، والتّعامل معها بصفتها تُمَثِّلُ التّنوُّعَ البشري المشمولَ بحِكمة الخالق في الاختلاف.واستنكروا أطروحات الصّدام الحضاري، ومحاولات فرض الهيمنة الدّينية والثقافية والسياسية والاقتصادية “بلا استحقاق ولا أخلاقيات”، كما ندّدوا بـ”الكراهية” و”العنصرية” باعتبارهما أكبر مُحَرِّض على العنف والإرهاب والانقسام.كما أوصى المشاركون من خلال الإعلان، ببناء تحالف دولي من خلال إرادة “صادقة وعادلة وفاعلة” لخدمة الإنسانية بكامِل حقوقها، مع أهمية استذكار القيم المشتركة الّتي تربط الجميع بعضهم ببعض كمنطلق رئيس لهذا البناء الإنساني المهم، والتّأكيد على أهمية مراعاة الخصوصيات الدّينية والثقافية، وعدم ممارسة أيّ استعلاء أو إملاءات عليها.ودعوا المؤسسات الدّينية حول العالم إلى تشجيع الخطاب المعتدل ونبذ الخطاب المتطرّف الّذي يثير الكراهية، مع إدانة كافة الممارسات المتطرّفة والعنيفة والإرهابية في حقّ أتباع الأديان، والدّعوة لتجريم النّيل من رموزها ومقدّساتها، ودعم المبادرات الجادة المناهضة لها.وأعلن المشاركون عن إطلاق مُنتدًى عالمي باسم “منتدى الدبلوماسية الدّينية لبناء الجسور”؛ من منطلق مركزية تأثير الأديان في المجتمعات الإنسانية، وإصدار موسوعة عالمية باسم “موسوعة القيم الإنسانية المشتركة”.كما دعوا الجمعية العامّة للأمم المتّحدة إلى إقرار يوم عالميٍّ للمشتركات الإنسانية، باعتبارها نقطة التقاء القيم الجامعة المحقّقة لثمرة الإخاء الإنساني.وكان الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، الشّيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، أعلن انطلاقة الملتقى بكلمة افتتاحية أكّد فيها على سروره بالاجتماع مع نخبة من القيادات الدّينية البارزة حول العالم، ونخبة من الشّركاء الفاعلين؛ للإسهام في تعزيز سلام عالمنا ووئام مجتمعاته الوطنية، منوّهًا إلى أنّ أهمّ ما يمكن أن يلتقي الجميع حوله لتحقيق هذا الهدف العالمي الّذي لا عيش حقيقيًا بدونه، هو أنّ الجميع ينتمي إلى أصل واحد (تَشَكَّلت منه أُسرتنا الإنسانية) بتنوِّعِها الطبيعي الّذي قضى الله به في هذه الحياة، (سواءً أكان تنوُّعًا دينيًا أم إثنيًا أم جغرافيًا أم غير ذلك).وأكّد الشّيخ العيسى، بحضور شخصيات دينية عالمية أبرزهم رئيس وزراء وأمين سرّ الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين، أنّ كلّ ما سبق من حديث “المشتركات” ينسجم تمامًا ولا يتعارض أبدًا مع أهمية المحافظة على الخصوصية الدّينية والثقافية.ولفت د. العيسى إلى أنّ الإشكالية الحالية في عالمنا اليوم هي غياب أو قصور الدّور التّوعويّ للأسرة والتّعليم ومنصات التّأثير الدّيني والاجتماعي، معتبرًا أنّها السّبب الأبرز لحالات الكراهية والعنصرية، ومن ثمّ تصعيد نظرية حتميةِ الصّدام والصّراع الحضاري، داعيًا في هذا السّياق إلى أهمية أن يكون للتّعليم حول العالم اهتمام بالمشتركات الإنسانية؛ بوصفها من أهمّ محفّزات القناعة بالرّابطة الإنسانية الواحدة، واستيعاب حكمة الخالق في الاختلاف بين المكونات البشرية.وأكّد العيسى أنّ للجميع الحقّ في البحث عن مصالحهم الخاصة، لكن بالقيم الّتي تدعو إليها المشتركات الدّينية والإنسانية، وهي الّتي تضمّنت معالمها الرئيسة المواثيق والمعاهدات والأعراف الدّولية، مشدّدًا على أهمية أن يُدرك العالم أنّه لا خيار له سوى خيار التّفاهم والتّعاون والسّلام.وفيما يتعلّق بالاعتدال الدّيني، أكّد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي أنّه لم يَعُد في إمكان أحد اليوم أن يتجاهل مستوى تأثير الاعتدال الدّينيّ على التّعايش المجتمعي والسّلم العالمي، لافتًا إلى أنّ التاريخ الإنساني يشهد بأنّ أهمّ أحداثه كان وراءها محفّزاتٌ أو شعارات ذات أهداف دينيّة، لكنّها خرجت عن منطقة الاعتدال فصار ما صار!وعرج الدكتور العيسى في كلمته على “الدبلوماسية الدّينية”، مؤكّدًا أنّها في إطار وعيها الرّوحي تصنع الفرق في الزّمن الصّعب، منوّهًا إلى أنّ القوّة الّتي تتمتّع بها الدبلوماسية الدّينية “المستنيرة” هي القوّة النّاعمة الّتي تخاطب العقول والقلوب معًا، بنيات صادقة.

وأبدى أمين عام الرابطة أمله في أن يتوافق حضور هذا الملتقى، وهم الشّخصيات الفاعلة والمؤثّرة “دينيًا وفكريًا”، على إصدار “موسوعة عالمية للقيم الإنسانية المشتركة”، لتصبح كالدستور الإنساني الجامع بمفهومٍ روحي مشترك.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات