38serv

+ -

إذا كانت الأمم المتّحدة قد بدأت تُعنَى بالطفولة، وقرّرت عيدًا لها في يونيو وفي نوفمبر من كلِّ عام في ذكرى إعلان حقوق الطفل، وذلك من خلال الوثيقة الّتي أعلنتها المنظمة الدولية، فإنّ الإسلام منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام عُنِي بالطفولة، وجعل من مبادئه الكريمة ورعايته عيدًا دائمًا لها. ولم يكتف بحقوق الطفل منذ وجوده في الحياة، ولكن حدَّد له حقوقه حتّى قبل أن يُولَد.الطفولة فطرة بشرية، ونعمة من النّعم وهبة من الله تعالى، وتكريم للبشرية وبذرة ضمان لاستمرارية النّوع البشري، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً..}.الطفولة مرحلة من مراحل النّمو الإنساني الممتدة من الميلاد إلى البلوغ، وتتميّز بحساسية شديدة تتشكّل فيها ملامح الشّخصية ويتأسّس النّمو الفسيولوجي والسيكولوجي للطفل.وتحيلنا الطفولة إلى منظومة البناء الأسري الّتي تشكّل اللّبنة الأساسية لبناء المجتمع، والحاضنة الأولى للطفولة، والأسرة في الإسلام مؤسّسة على ركيزتين: المودّة والرّحمة، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً...}، يعتبر الإسلام الأبناء زينة: المال والبنون زينة الحياة الدّنيا، وهم وصية خاصة من الله، قال تعالى: {يُوصِيكُمْ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ...}.إنّ مفهوم رعاية الطفل في الإسلام هو عبارة عن القيام بحفظ الطفل من كلّ ما يضرّه والقيام بلوازمه وشؤونه على أكمل وجه بما يحقّق حاجاته المتنوّعة ونموّ شخصيته بشكل سليم ومتوازن وفق منهج الإسلام وتعاليمه.ورعاية الأطفال واجبةٌ، وحبُّهم قربة إلى الله، كما قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: “لولا أطفال رُضَّع، وشيوخ رُكَّع، وبهائم رُتَّع، لصُبَّ عليكم العذاب صبًّا”، فقد جعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأطفال سببًا في عدم نزول العذاب.والطفل في الإسلام أمانة في يد المسؤول عنه، ووديعة أودعها الله الأبوين، ولذَا فعلى الأبوين أن يقومَا بما يحفظ عليه سلامته وأمنه، لأنّه أمانة عندهما، يقول تعالى: {«يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا قوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ”. وتارة يؤكّد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على هذه المسؤولية بقوله صلّى الله عليه وسلّم: “كلُّكم راع، وكلّكم مسؤول عن رعيته، الرّجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها”.وتعتبر رعاية الطفل وتربيته في حضن والديه أسمَى وسيلة من وسائل التّنشئة الاجتماعية المتكاملة نظرًا لما أودع الله فيهما من حنان وحبّ وعطف لأبنائهم، وقد أكّد القرآن والسُّنّة على مسؤولية الوالدين تجاه أبنائهم وحذّرَا من كلّ إخلال بهذا الأمر. وفي حالة فقدان الوالدين يتولّى المسؤولية أقرب النّاس إلى الأطفال وألصقهم بهم وأكثرهم عطفًا وحنوا عليهم. وفي حالة فقدان الأقارب يتوجّب على المسلمين المتكافلين إيجاد أسرة بديلة تكفلهم وتهتمّ بهم دون تبنّيهم أو إلحاق نسبهم بهم.وإنّ من أهمّ حقوق الطفل ضمان التّعليم الجيّد للطفل لتهيئته لمستقبله وإعداده للقيام بمسؤولياته عند البلوغ، وفي الحديث: “طلب العلم فريضة”، فرضيته في طفولته على والديه وعلى الأمّة، وبعد البلوغ على ذمّته، فلا تزر وازرة وزر أخرى.كما أوجب الإسلام على الوالدين تدريب أبنائهم وتأديبهم وتعليمهم وتربيتهم على القيم الإسلامية حتّى يكونوا صالحين لأنفسهم ومجتمعهم ومؤهّلين لتحمّل المسؤولية بنجاح. فأوجب على الوالدين أن يُعلِّمَا أولادهما ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ومنه تعليمهم كيفية الطّهارة والصّلاة، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مُرُوا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر”، بل إنّ الشّارع حرّم على الوالدين الدّعاء على أولادهما، خشية أن يوافق الدّعاء ساعة إجابة فيُصيب الولد ما دعي به عليه، إذ روي عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم”.ويمكننا الاستفادة من المنظور الإسلامي في تربية الأبناء من خلال: مساعدة الأطفال على التّركيز على معنى ما هو مقدَّس، والتّقدير العام للمعاني الدّينية، عدم اقتصار إدراك الطفل لما هو مادي ومحسوس وقائم؛ وإنّما إيمانه ووَعْيه بما هو مُطلَق ولا نهائي وغيبي، الشّعور بمغزى وهدف الوجود، وانعكاس ذلك على الأطفال، مساعدة الطفل على الإيمان بمعاني الحقّ، والخير، والسّموّ، والرّغبة في أن يعم ذلك ذاته والمجتمع البشري والبيئة المحيطة به، والتّقيُّد بالمُثُل العليا، ومحاولة الاقتراب منها، والرغبة في تحقيقها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات