38serv
لا أشك أنّ إخواننا الفقهاء من علماء الجزائر حرصون على دينهم بالدّرجة الأولى ثمّ على نفوس إخوانهم، ثمّ على وطنهم، وهذا ليس محلّ تشكيك أو تردّد. وأنا لستُ بأتقى منهم ولا أعلم منهم، ولا أحرص منهم على هذه الثلاثية الّتي يجب الحفاظ عليها. ولكن ربّما قد يقع لبس في تصوير بعض المسائل، أو تحرير بعض الفروع أو سهو في قراءة فتوى، أو حماسة غطّت الحقيقة، بسبب خلفية سابقة.وعليه أذكر فأقول بما أدين به لربّي سبحان وتعالى وفق ما أقتنع به من محكّمات الشّرع، وفهم سلف هذه الأمّة، وما درج عليه أهل عصري من العلماء الرّبّانيّين الموثوق في دينهم وعلمهم. ورحم الله الإمام أبا حنيفة النّعمان عندما كان يسأل فيقول: “إنّ هؤلاء يردّون أن يتّخذوا ظهورنا جسورًا إلى جهنّم... لهم المهنأ ولنا الوزر”. فمن العاقل الّذي يتجاسر على الفتوى ليرضي زيدًا أو عمرًا!!!فهذه حقائق ثلاث يجب مراعاتها بالتّرتيب في هذه النّوازل:أوّلًا: أنّ الأصل في مثل هذه الأمور الّتي تمسّ حاجيات وضروريات المواطن أنّ الدولة هي المسؤول الأوّل عن مواطنيها.ثانيًا: في حالة تقاعس الدولة عن واجبها اتجاه مواطنيها فيما يمسّ ضروريات حياتها اليومية، فإنّ المسؤولية تنتقل إلى جماعة المسلمين (وهم أهل الحلّ والعقد من العلماء والوجهاء وأهل الخبرة والتّجربة وأرباب الأموال) من خلال التّبرعات والمساعدات والصّدقات، الّتي تسدّ بها ضروريات الأمّة. واليوم المجتمع المدني من خلال مؤسساته هو الّذي يضطلع بهذا الدور في حدود!!!ثالثًا: فإن لم تف هذه التّبرعات والصّدقات المطلقة من غير الزّكاة بالغرض، وأوشك النّاس على الهلاك جاز أن نأخذ من مال الزّكاة تحت صنف (في سبيل الله). بناء على توسيع دلالته، وإن كان الأصل فيه هو سهم الجهاد في سبيل، وقد اختلف فيه الفقهاء على خمسة أقوال، وقد رجّح مجمع الفقه الإسلامي وندوة الزّكاة والقضايا المعاصرة، أنّه يشمل كلّ أنواع البرّ الّتي تخدم الصّالح العام وتمسّ الحاجة أو الضّرورة لها، فلا بأس بذلك بهذا الاعتبار.ولقد جاء هذا السّؤال من عدّة مصادر، يسأل عن حكم، دفع الفوائد الرّبوية من أجل شراء معدّات الأكسجين للمرضى.فنقول وبالله التّوفيق أنّه يجوز دفع الفوائد الرّبوية بنيّة التّخلّص منها، لشراء المعدات الطبية والأكسجين.ولكن هنا لابدّ من استحضار أمور في هذا المقام:الأوّل: هو عدم وضع المال في البنوك الرّبوية بنيّة الأرباح.ثانيًا: التّخلّص منها، لكونها أوساخ، لا خير فيها له، ولكن يجوز أن ينتفع بها غيره. ثالثًا: أنّها تُصرَف في الأمور العادية لا التّعبّدية، كما جاء في الأثر: “إنّ الله طيّب ولا يَقبَل إلّا طيّبًا”. رابعًا: ألّا يُخبِر مَن تُعْطَى له بمصدرها إذا كان شخصًا طبيعيًا، كونها أموال ناتجة عن فوائد ربوية، ولأنّ الأموال في حدّ ذاتها لا ذمّة لها. أمّا إذا كانت شخصية معنوية (اعتبارية) فهذا من باب أولى إذا قامت الحاجة أو الضّرورة. هذا وبالله التّوفيق.*أستاذ الشّريعة والقانون بجامعة وهران
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات