38serv

+ -

 تشهد بلادنا في الآونة الأخيرة حوادث رهيبة في الطرقات (حادث خرايسية قبل يومين..)، فمرّة أخرى تحصد هذه الحوادث أرواح العشرات من المواطنين والمواطنات، ممّا يتطلّب منّا كأفراد ومسؤولين الاهتمام بهذا الأمر الخطير الّذي هو في تزايد مستمرّ إن لم نتجنّد جميعًا لمنعه أو على الأقلّ تقليله قدر الإمكان.إنّ هناك أطرافًا عدّة تتحمّل مسؤولية أيّ حادث مروري وهذه الأطراف هي: السائق، إدارات الطرق والمرور، وزارة المواصلات، الأرصاد الجوية، وسائل الإعلام، رجال الأمن... إنّ قيادة المركبات مسؤولية عظمى تستوجب منّا أخذ الحذر والحيطة وتوخّي السّلامة ما أمكن إلى ذلك سبيلًا.والوقاية من حوادث المرور هي: مسؤولية الجميع، (سواء كان ذلك في الطرقات أو غيرها)، هي مسؤولية الدولة، والمجتمع المحلي، والمجتمع المدني، كلّ حسب اختصاصه وقدراته، والوقاية من حوادث المرور هي مسؤولية الأجهزة الرسمية، والمنظمات الأهلية والحكومية، وفي نفس الوقت، كلّ حسب اختصاصه وقدراته، فهي إذن عبارة عن تضافر الجهود في مجال الوقاية المرورية يقوم بها الجميع وفي نفس الوقت.ولقد سعى ديننا الإسلامي إلى تربية أبنائه على تحمّل المسؤولية، فكلّ لحظة من لحظات حياة المسلم تتجسّد فيها المسؤولية بكلّ صورها، أفرادًا ومجتمعات، هيئات ومؤسسات، شعوبًا وحكومات، والمسؤولية في الإسلام تعني أنّ المسلم المكلّف مسؤول عن كلّ شيء جعل الشّرع له سلطانًا عليه، أو قدرة على التّصرّف فيه بأيّ وجه من الوجوه، قال صلّى الله عليه وسلّم: ”كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرّجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيّده ومسؤول عن رعيته، وكلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته”.من توجيهات القرآن الكريم قوله تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ}، وقال عزّ وجلّ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”الأناة من الله والعجلة من الشّيطان فتبيّنوا”، والتّبيُّن ضروري حتّى لا يقع الإنسان في المخاطرة والتّسرّع وعدم أخذ الحيطة والحذر، وقد رويَ أنّ: ”سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن”.إنّ الحذر وعدم التّفريط في الأمور اتّكالًا على القدر أمر مطلوب في الدّين، فإذا كان لكلّ قدر سبب فإنّ من أسباب النّجاح في العمل هو الأخذ بالأسباب، ففي مدح التُّؤْدَة والأناة في كلّ الأمور كلّها، يقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّ فيك لخصلتين يحبّهما الله: الحِلم والأَناة”.ثمّ إنّ الالتزام بالأنظمة المرورية ملزمة شرعًا لأنّ هذه الأنظمة تمّ وضعها لتنظيم سير النّاس على هذه الطّرق، وحفظ أرواحهم من الهلاك، وبناء على المصلحة العظيمة المترتّبة عليها. يقول الشّيخ ابن باز رحمه الله: ”لا يجوز لأيّ مسلم أن يخالف أنظمة الدولة في شأن المرور لما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى غيره، والدولة إنّما وضعت ذلك حرصًا منها على مصلحة الجميع ورفع الضّرر عن المسلمين فلا يجوز لأيّ أحد أن يخالف ذلك، وللمسؤولين عقوبة من فعل ذلك بما يردعه وأمثاله”. كما أفتى العلماء بأنّه: لا تجوز مخالفة أنظمة ولوائح المرور الّتي وضعت لتنظيم السّير، ولتلافي الحوادث وللزّجر عن المخاطر، وذلك مثل الإشارات الّتي وضعت في تقاطع الطرق، واللافتات الّتي وضعت لتحديد أو تخفيف السّرعة... فعلى هذا مَن يعرف الهدف من وضعها ثمّ يخالف السّير على منهجها عاصيًا للدولة فيما فيه مصلحة ظاهرة ويكون متعرّضًا للأخطار وما وقع منه فهو أهل للجزاء والعقوبة، وتعتبر ما تضعه الدولة على المخالفين من الغرامات ومن الجزاءات واقعًا موقعه.ومن باب تحمّل المسؤولية في تسهيل الطرق ما فهمه عمر بن الخطاب أنّ الحاكم مسؤول عن تسهيل الطرق وأنّها من وظائفه الأساسية الّتي يجب أن يوليها اهتمامه يقول: (لو عثرت ناقة لخشيتُ أن أُسْأَلَ عنها يوم القيامة، إذا لم أسو لها الطريق). فالطرق والجسور بناء وإصلاحًا، وكلّ المرافق إنشاء وصيانة، وتسهيل الطرق والمواصلات من المصالح العامة الّتي يعود نفعها على كافة المسلمين، والحاجة الماسة تدعو إلى تحقيقها حفظًا لراحة المسلمين وسدًّا لحوائجهم وتحقيقًا لمنافعهم، ومن هنا أجاز الفقهاء الوقف على المصالح العامة كبناء الطرق والجسور.لذا ندعو إلى ضرورة السّعي لتحسين الحالة الفنية للطرق للتّخفيف من إسهام هذه الطرق بحوادث السّير وذلك من خلال تقديم الملاحظات والمقترحات اللازمة ومعالجتها مع الجهات ذات العلاقة، فضلًا عن السّعي الدّائم للإسهام في تطوير قانون السّير والأنظمة المرورية لتواكب التّطوّر المروري.إنّ هدي الدّين الحنيف ومقتضيات التّمدّن والتّحضّر تتطابقان وتتضافران على ضرورة الانخراط الفعلي والعملي في حملات التّوعية والتّحسيس بمخاطر الحوادث وذلك بتلافي كلّ أسبابها والتّعاون على اجتنابها، وكلّ في مجاله ومن ناحيته وحسب مجهوده مطالب بالحيطة والحذر لأنّ المخاطر والمصائب والفواجع عندما تحصل لا قدّر الله تعمّ ولا تخصّ ولا تستثني. ووجوب استشعار قيمة النّعم الّتي أنعم الله بها علينا والّتي لها أثر في حياة السّائق ويجب رعايتها، فالصحة والحواس والجوارح أمانة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات