السلطة تدفع خصومها إلى ساحة “الرقص الفردي” على إيقاع “المشاطعة”

38serv

+ -

لم تجد المقاطعة الانتخابية في الجزائر صورة ثابتة منذ أول انتخابات تعددية عام 1990، مقاطعة يتداول عليها إسلاميون وديمقراطيون تارة، وتارة أخرى يتفقون عليها عن غير قصد، تماما مثلما يستفيد من المقاطعة بالتداول الأفالان والأرندي.بعيدا عن اهتزاز مصداقية الانتخابات بالمقاطعة، يظهر الرابح الأكبر فيها أحزاب السلطة. الأفالان ومن يتبعه، وصورة المقاطعة في الجزائر لم ترسُ على وتر واحد، فحركة مجتمع السلم التي انتقلت من “الموالاة” إلى “المعارضة” واتخذت قرارها إلى غير رجعة، لأول مرة تعلن مقاطعتها عملية انتخابية في تاريخها، وأي مقاطعة بحجم انتخابات رئاسية؟ القرار ظهر كبيرا مثلما يقول رئيسها عبد الرزاق مقري، وربما أكبر منه علاقة بحرص زعيمها الأول الراحل محفوظ نحناح على المشاركة مع إبقاء المعارضة من داخل مؤسسات الدولة، لكن حمس التي فعلتها هذه المرة لم تحقق السبق في “الجرأة” أمام جرأة الأفالان بقيادة الراحل عبد الحميد مهري الذي قاطع رئاسيات نوفمبر 1995 التي اعتلى بموجبها اليامين زروال سدة الحكم، ومن كان في الحكم آنذاك كان يدرك ما معنى أن يخرج “الجهاز” عن الصف، لذلك دفع مهري فاتورة غالية مقدارها “انقلاب علمي” أبعده عن “المخبر”.ما يجب فهمه، هل المقاطعة منطقية كفعل “متغير”و “متقلب” لنظام ثابت لم يتغير، إذا كان هدفها معاقبة السلطة ونزع مصداقية عنه، وبعبارة أخرى ما الذي يتغير في النظام عندما يشارك حزب في انتخابات ثم يقاطع التي تليها.. وفقا لما سماه الراحل نحناح “المشاطعة”؟ بينما مبررات قيادات الأحزاب لا تخرج عن القول إن “لكل مرحلة خيارات سياسية”، وهي التي تنتقد النظام دوما، فالأرسيدي شارك في الانتخابات 1990 التي فاز بها “الفيس” المحل، ثم شارك في رئاسيات 95 التي فاز بها زروال وتقول “حمس” إن نحناح هو من فاز بها، ثم قاطع الأرسيدي محليات 2002 وشارك في تشريعيات ذاك العام، كما شارك في تشريعيات 2007 وقاطع رئاسيات 2009 لكنه شارك في تشريعيات 2012، ليعود إلى مقاطعة رئاسيات 17 أفريل المقبل.الأفافاس بدوره قاطع أول انتخابات تعددية عام 90، كما قاطع رئاسيات 95، ثم شارك في تشريعيات 97، ورئاسيات 99 التي انسحب منها قبل يوم الانتخاب، ليعود إلى مقاطعة البرلمان في الانتخابات البرلمانية 2002 ثم رئاسيات 2004، لكنه شارك في تشريعيات 2007، بينما قاطع رئاسيات 2009. وشارك في تشريعيات 2012.المؤكد أن قرار المشاركة أو المقاطعة مرتبط بالظرف السياسي الذي تنتظم فيه الانتخابات، فرئاسيات 2004 كانت مفتوحة على كل الاحتمالات كما لم تكن رئاسيات 2009 التي كانت محسومة لصالح الرئيس من البداية.وكما لم يعرف موقف الأحزاب الديمقراطية مشهدا قارا إزاء المشاركة والمقاطعة، كذلك ارتسمت الصورة على الأحزاب الإسلامية، فجاب الله (جبهة العدالة والتنمية) يسير نحو مقاطعة موعد 17 أفريل المقبل التي قاطعتها حمس، وهو الذي شارك في الانتخابات الرئاسية عام 99 قبل أن ينسحب هو الآخر، ثم شارك في تشريعيات 2002 ورئاسيات 2004، بينما قاطع رئاسيات 2009. وتوزعت غطاءات مشاركة أو مقاطعة جاب الله للاستحقاقات الانتخابية على ثلاثة أحزاب هي: “النهضة” و “الإصلاح” و “العدالة والتنمية”.ويسود إجماع وسط الأحزاب في خيارات المشاركة أو المقاطعة، على أن تقلب المواقف لا يعكس ظاهرة “مرضية” تعيشها، ولكن نمط تعاطي السلطة معها هو من يفرض تحديد خياراتها، فالمسار الزمني منذ التعددية كان كفيلا للسلطة أن تحجم من تغلغل الأحزاب المؤثرة في المجتمع، بينما الوحيد الذي اتخذ قرارا واضحا من العملية الانتخابية في الجزائر هو الهاشمي شريف الذي وضع حزبه (الحركة الديمقراطية الاجتماعية) في وضع المقاطع دوما.ولم تكن المقاطعة “الحزبية” للانتخابات متناغمة دائما مع “المقاطعة الشعبية” التلقائية في حجمها على الأرض ويوم الانتخاب، ففي ظرف أكثر من عشريتين “حافظ” مقاطعو الانتخابات على نسب متقاربة في إدارة الظهر لصناديق الاقتراع، وإذا كان تفسير مقاطعة 41% من الكتلة الناخبة زمن الفيس المحل قد يجد ما يبرره سياسيا لدى المحافظين والعلمانيين على حد سواء، إلا أن التواريخ اللاحقة في الانتخابات التشريعية لا تجد لنفسها ثباتا، فقد أعيد توظيف نفس الورقة في انتخابات 1997 التي قيل إنها زورت، وتراجعت نسبة المقاطعين إلى 35%، وارتفعت إلى 54% في 2002. وزادت في الارتفاع في تشريعيات 2012 التي اكتسح فيها الأفالان مقاعد البرلمان، وفي كل مرة تزيد نسبة المقاطعين يقول المسؤولون إن “المقاطعة أمر عادي”، لكن غير العادي فيها أنها نسبة غير قابلة للتفسير، وتزيد دوما في الانتخابات التشريعية بالذات.الواقع أن كتلة “العازفين عن الانتخاب” من الشعب، كانت دائما “مشكلة” بالنسبة للمشاركين في الاستحقاقات، لكنها سرعان ما تتحول إلى “حل” عندما يقاطعون، وتتحول إلى “عروس يكثر خطابها” حينما يدعي كل واحد أن هذه الفئة موجودة في كتلته الناخبة، لكن لا أحد وصل إلى تحديد من هم المقاطعون في الواقع منذ 1991 عندما كان المقاطعون يمثلون 41%، إلى غاية 2012 لما وصل صمتهم سقف 57%؟        م. ش

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: