38serv
إن من أهم وأبرز صفات المجتمع الإسلامي التراحم، حيث يقوم المجتمع المسلم على التراحم وحماية الحقوق الإنسانية وصيانة الحُرمات، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلًا}، ولقد أثنى الله تعالى على رسوله الكريم وصحابته، فوصفهم بالتراحم بينهم، فقال سبحانه: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.ويستمد هدي هذه القيمة من توجيه المصطفى صلّى الله عليه وسلم: “ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى”، ولقد وصى النبي صلّى الله عليه وسلم برحمة الشيخ الكبير كعضو من أعضاء المجتمع الإسلامي في قوله عليه الصلاة والسلام: “ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله تعالى من يكرمه عند سنه”، وغير ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة التي تلفتنا إلى توقير الكبير والرفق بالصغير وتوقير العلماء ونصرة المظلوم، فـ “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه..”، و”المسلم الحق من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”.وإن إشاعة التراحم بين الناس مطلب إسلامي، وحاجة ملحة من حاجات المجتمع الذي يبحث عن الطمأنينة والترابط والتعاون والتكافل. والرحمة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وهي إنعام وإفضال وإحسان، والتراحم بين الخلق يعني نشر الرحمة بينهم، يعني التآزر والتعاطف والتعاون، يعني بذل الخير والمعروف والإحسان لمن هو في حاجة إليه.ويكفي الرحمة شرفًا وقدرًا أنها صفة من صفات الله عز وجل، يتضمنها اسمه سبحانه: الرحمان، واسمه: الرحيم. فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما.ومن رحمة الله بعباده أنه لم يتركهم لأهوائهم وشهواتهم، بل أرسل إليهم الرسل وأنزل إليهم الكتب، ليتبين لهم طريق الرشد من طريق الغي، وطريق الهدى من طريق الضلالة. ليخرجوا بهذا الهدى من الظلمات إلى النور. ليسعدوا ويفلحوا في دنياهم وفي أخراهم. قال تعالى في حق نبينا محمد {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.والرحمة والتراحم وصية المؤمن لأخيه، ودعاؤه له؛ قال سبحانه: {ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة}.ومن صور الرحمة المشرقة في دين الإسلام: الرحمة بالضعفاء والفقراء، فمن شعائر الإسلام العظيمة: إطعام الطعام، والإحسان إلى الفقراء والأرامل والأيتام، طلبًا لرحمة الله الملك العلام.إن من أعظم الأخلاق المندوبة، والسجايا المطلوبة، خلق الرحمة والتراحم بين المسلمين، ولا غرو؛ إذ هو مفتاح القبول لدى القلوب. ولا جرم، أن فقدان الرحمة بين الناس، فقدان للحياة الهانئة، وإحلال للجاهلية الجهلاء، والأثرة العمياء.وإن المرء المسلم، مطالب بالرحمة والتراحم بما استطاع من تحلم وتصبر، وعليه أن يترفق أولا في أهله، وثانيا في رعيته وجيرانه ومواطنيه وموظفيه، فلا يكون عونًا لزوجته على النشوز، ولا لأبنائه على العقوق، ولا لجيرانه على الإساءة، ولا لرعيته على التمرد، ولا للناس كافة على هجره ومباغضته.ومع كل هذا إنك لترى في مجتمعاتنا اليوم عجبًا عُجابًا، وتتملكك الدهشة وأنت ترى أُناسًا يصلون ويركعون ويسجدون، ويحافظون على الصلوات والجمعِ والجماعات، ثم ترى منهم بعد ذلك من يظلم ويعتدي، ترى منهم من يأكل حق غيرِه ولا ينتهي، ترى من يشهد بِالزور ويرتشي، ترى القاطع لرحمه الهاجر لقراباته، ترى العاق لوالديه المسيء إلى من له حق عليه، أين التراحم الذي هو أثر من آثار الصلاة؟! أين أثر الركوعِ والسجود؟!إن من يحني ظهره لله راكعا، ويعفر جبهته لمولاه ساجدا، إن من يفعل ذلك وهو مخلص صادق، فقد سلك سبيل الخشوعِ والخضوعِ لله، وحقق العبودية في أكملِ صورِها وأبهاها، وسيظهر أثر ذلك في ملامحِ وجهِه وفي سلوكه ولابد، حيث تتوارى الخيلاء والكبرياء والاستعلاء، ويحل محلها التواضع والتضامن والشفقة، ومحبة الخلقِ والإحسان إليهِم والرحمة بهم، ولنقتد بخير الأمة وأعلمها بِالله، ولنتراحم وليحسن غنينا لفقيرِنا، وليرحم قوينا ضعيفنا، فإن الإحسان فوز ونجاة، وتركه خسارة وهلكة؛ قال سبحانه: {وأنفقوا في سبِيلِ الله ولا تلقوا بِأيديكم إِلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات