+ -

 لعلّ الذين يطالبون بالعهدة الرابعة مازالوا يتصورون أنفسهم في ريعان الشباب، وأنهم قادرون على البذل والعطاء مع هذا الرئيس الذي صرح أمام الشعب بأن جيله لم يعد صالحا لإدارة شؤون البلاد بعد أن بلغ من العمر عتيا، ولكن هذا الجيل الذي يأبى الانسحاب من الحياة السياسية بهذه السهولة يرفض الاعتراف بهذه الحقيقة المؤلمة، لأنه لا يؤمن بنظرية تواصل الأجيال على وجه الإطلاق.لم يبق لهذا الجيل سوى أيام معدودات ثم يرحل، ولكن يبدو أن الموت هو الآخر مسألة غير واردة في ذهن هذا الجيل، طالما أنه لا يعاني من المرض كواحد من الأسباب المؤدية إلى هذه الحتمية، ولهذا ليس غريبا أن يطالب بعهدة رابعة ليضمن لنفسه خمس سنوات أخر من الحياة الناعمة على حساب هذا الشعب الذي رهن حياته للبؤس والشقاء.لعل الذين يطالبون بعهدة رابعة يكون عرّاف اليمامة قد أنبأهم بمرحلة أخرى من الفساد سوف تشغل هذه الأمة سنوات عدة، ولن يعجز سندبادهم هذه المرة في نسج مغامرته ليأخذ ما تبقى من مالها وشرفها، ولن يحاكم إلا بالطريقة التي تروق إعجاب سماسرتها الذين يملكون قدرة عجيبة في التفاوض مع لصوص القبيلة وتهريبهم في نهاية المطاف كشرفاء، ولا يشعرون بالخجل عندما يستبيحون كل شيء ماداموا لا يملكون شيئا من الفضيلة في رصيدهم.كان على هذا الجيل أن يسلم هذا المشعل لأبنائه من الشباب إذا كان يؤمن بحسن قيادته للعالم، ويطرح جانبا سياسة الولاء والمبايعة لنفسه، فنحن مشتاقون إلى رئيس يصعد إلى طائرته راكضا، ويلوح بيديه بخفة ونشاط، لقد خضنا ملحمة نوفمبر شبابا، وحققنا النصر المبين فيها شبابا، ودشّنا مرحلة البناء والاستقلال شبابا، وأممنا ثرواتنا الطبيعية شبابا، وطردنا دعاة التمييز العنصري شبابا، ورفعنا عقيرتنا بلغة الضاد في المحافل الدولية شبابا، وكنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة شبابا، وتقلدنا زمام هذه الأمة شبابا، ولم نأخذ من مال شعبها دينارا، بل لقد مات عظماؤها شبابا، وليس في جيوبهم غير الزهد والعفة والنبل والطهارة.لقد كان هذا الجيل يرى نفسه أسطورة في مرحلة الشباب، وحقق من المعجزات ما لم يحققه غيره من الأجيال على ربوع هذا الوطن الجميل، ولكن الفساد الذي ظهر في عهد شيخوخته لم يظهر في أي عصر إلى درجة أن شباب اليوم أصبح يشك في وطنيته، وأن ما قام به في وقت سابق ليس إلا حزمة من الخرافات الساذجة، ولو أنه سلم قيادة البلاد لهذا الشباب الجديد لما وصل الأمر بها إلى هذا الوضع المتردي، بل ربما بلغت مرحلة من التمدن والتحضر، ولكن مع الأسف الشديد حرمتم هذا الوطن من شبابه، وكنتم تتصورون شيخوختكم كفيلة بأمنه وسعادته، في حين لم تزده هذه الشيخوخة البالية إلا فسادا وجرما وبؤسا وشقاء وتنكيتا، فمتى تريحون الوطن من أوجاع المفاصل؟

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات