38serv

+ -

 في ظل الهوس العالمي بلعبة كرة القدم وانشغال الناس كافة بكأس العالم المقامة حاليًا، يجدر بنا المقام أن نتبين الضوابط الشرعية التي وضعها الإسلام للعب واللهو المباح. والترفيه والترويح عموما، هما إدخال السرور على النفس وتجديد نشاطها.الإسلام دين سماحة ويسر، يراعي فطرة الإنسان، ويلبي احتياجاته النفسية والبدنية والذهنية، بتوازن وشمولية واعتدال. ولقد أقر بحق النفس والبدن في أخذ نصيبهما من الراحة والاستجمام، وقد ثبت أن الرسول صلّى الله عليه وسلم وأصحابه قد مارسوا ألوانًا من الترويح واللهو البريء.والنفس تحتاج إلى شيء من اللهو والترويح والفسحة في بعض المباحات، وإجمامها، وإراحتها من كد الدنيا، ومن جد العمل للآخرة، لئلا تضجر النفوس، ولتقوى على المسير، والجد فيما ينفعها من أمر الدنيا والآخرة. فالترويح في الإسلام أمر مشروع، بل ومطلوب، طالما أنه في إطاره الشرعي السليم المنضبط بحدود الشرع التي لا تخرجه - أي الترويح - عن حجمه الطبيعي في قائمة حاجات النفس البشرية.. فالإسلام دين الفطرة، ولا يُتصور أن يتصادم مع الفطرة، أو الغرائز البشرية في حالتها السوية.إن الترفيه عن النفسِ أمر قررته الفطرة والشريعة، فأباحت الشريعة الإسلامية أنواعًا من اللهو الجاد وحرمت أنواعًا من اللهو الذي يؤدي إلى مفاسد على الفرد أو المجتمع المسلم؛ قال علي رضي الله عنه: “روحوا القلوب ساعة فإنها إذا أكرهت عميت”، وقال: “روحوا القلوب، وابتغوا لها طرف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان”.وعن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه إنه كان في جمع من الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر لهم الجنة والنار، ثم عاد حنظلة إلى أهله وولده، فضحك معهم ولعب، ثم: ذكر الذي كان فيه، ذكر الجنة ونعيمها، وذكر النار وأهوالها، فخرج مهمومًا محزونًا، قال: فلقيني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟! قلت: نكون عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأْي عينٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر:فوالله، إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “وما ذاك؟”، قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عينٍ، فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي، لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفى طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة”.اللهو في الإسلام لهوان؛ لهو ممدوح محمود، ولهو مكروه منبوذ ومتروك، أما اللهو الممدوح فهو لهو مباح مشروع بحدود، ومجمل حدوده: ألا تتجاوز بالمؤمن من الحلال إلى الحرام. وألا يتحول العمر لهوًا. وألا يستغرق وقت المؤمن. وألا يصد عن أداء الواجبات الشرعية وألا يشمل على اعتداء على حرمة أو حق من حقوق الغير وعدم حدوث إسراف أو تبذير في أي مجال مالي، وعدم اشتماله على كذب أو تزييف للحقائق وألا تؤدي هذه اللعبة إلى إشاعة مفاسد أو منكرات وعدم إثارتها للعداوة والبغضاء والصراعات.ولا يجادل أحد في قيمة وفوائد التربية الرياضية على الإنسان نفسيًا وروحيًا وبدنيًا، فالمشي والجري والرفع والوثب وغيرها من المهارات هي من الأمور الضرورية التي يحتاجها الفرد ويمارسها في حياته اليومية، والنشاطات الرياضية كلها تنمي هذه المهارات..ومع هذه الفسحة في الترويح عن النفس، ينبغي للمسلم أن لا يجعلها غاية له وهدفًا في هذه الحياة الدنيا، وأن لا يتخذها وسيلة ومطية لانتهاك حرمات الله، وتعدي حدود الشرع، وإنما عليه أن ينظر إليها كوسيلة لغاية عظمى وهدف أسمى؛ هو بقاء الإنسان نشيطًا، ذا همة وعطاء، من أجل بناء المجتمعات، وعمارة الأرض، وإقامة الشرع؛ وفقًا للتوجيه الرباني الوارد في قوله سبحانه وتعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}.ينبغي للمسلم أن ينظم وقته بين العمل واللهو، والجد واللعب، فلا يعتدي على الوقت الذي هو حق لله تعالى؛ كوقت الصلوات المفروضة، أو أن يغفل عن ذكر الله في أوقات هو أحوج ما يكون فيها إلى القرب من ربه.قال النبي صلّى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما ابنِ آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات