38serv
نشطت، هذه الأيام، الصيرفـة الإسلامية في الجزائر بشكل ملحوظ، وللأهمية البالغة التي يكتسبها هذا الموضوع، باعتباره مفتاحا للنجاح والازدهار الاقتصادي والتنمية، إلا أنها تلقى العديد من الصعوبات والمشاكل التي تعترض السير الحسن لعملها، الأمر الذي يقتضي إيجاد منافذ وحلول لتفعيل هذا البديل المهم وترسيخ الصيرفة الإسلامية كعماد فاعل للنهوض بالاقتصاد الجزائري.بالرغم ما شهدته هذه الصناعة المالية من تطورات نوعية وكمية، وطفرات استثنائية في النمو والانتشار على المستوى العالمي، إلا أن نشاطها في الجزائر ما زال محتشما ويحتاج منا التوجيه والتطوير وتيسير نموها وازدهارها.يعيش الاقتصاد الجزائري منذ عقدين من الزمن في دوامة من الأزمات الهيكلية دمرت تقريبًا أغلب القطاعات في ظل غياب نظرة مستقبلية وهشاشة الإطار المؤسساتي خاصة في القطاع العام. ولقد لاحظ الجميع الوتيرة المتسارعة في تفاعل جمهور الجزائريين من رجال أعمال وملاك المؤسسات الناشئة وطالبي قروض السكن، مع نشاط الصيرفة الإسلامية؛ إذ عرفت المنتجات المعروضة إقبالا منقطع النظير للجزائريين والجزائريات، وكشفت النتائج الأولية أن جل البنوك نجحت في جمع مبالغ معتبرة في ظرف سنتين من حصيلة التمويل والادخار.وسارعت السلطات الجزائرية مطلع السنة الجارية إلى إطلاق التأمين التكافلي وهو المرحلة الثانية من الصناعة المالية، في حين أن المرحلة الثالثة للمشروع ستكون عبر إطلاق الصكوك المالية الإسلامية، ليكتمل بذلك مشروع الصناعة المالية المطابقة للشريعة.صحيح أن الصيرفة الإسلامية تُعد آلية قادرة على تحسين المعروض من المنتجات، وتوفير الحلول المالية للمواطنين الذين يمتنعون عن التعامل بالربا، لكنه على المستوى العام أي من منظور مالية الدولة لن يحل بصفة كافية مشكلة ضعف الودائع التي يمكن إرجاعها إلى أسباب أخرى منها البيروقراطية الإدارية الثقيلة التي تنخر بنوك القطاع العام وتعمل ضد مقتضيات المردودية والنجاعة الاقتصادية. وإلى ضعف التشريعات والقوانين المتعلقة بنظام الصيرفة الإسلامية.والصيرفة الإسلامية في الجزائر تواجه عقبات حالت دون انتشارها، لاسيما في ظل افتقارها إلى نظام تشريعي وتنظيمي يرسم معالم الصيرفة الإسلامية في الدولة، لذا كان من الضروري المسارعة إلى التأطير القانوني لهذه العملية من أجل أن تأخذ حيزا واسعا وتعرف انتشارا وسط المجتمع الجزائري.إن الوقت قد حان من أجل فتح الأبواب واسعة أمام الصيرفة الإسلامية ووضعها في إطار قانوني، وكذا تطويرها، وفي هذا الصدد يطالب الخبراء الاقتصاديون (في الجزائر) بضرورة المضي في إصلاح آخر جذري لقانون القرض والنقد، وتكييفه بما يتلاءم مع مشروع النظام المالي الإسلامي، وإعطائه الأريحية القانونية.ودعوة البرلمان إلى القيام بدوره عن طريق اقتراح مشاريع تنهض بالاقتصاد الوطني، مع العلم أن الخطوة الأكبر لنجاح الصيرفة الإسلامية هي تعديل قوانين الجمهورية لإعطاء الطابع الدستوري لهذا النظام المصرفي. وعلى بنك الجزائر التفاعل الإيجابي مع الصيرفة الإسلامية من أجل عدم تفويت هذه الفرصة التاريخية من أجل خدمة الجزائر واقتصادها في هذا الظرف العصيب الذي يمر به العالم.إن الصيرفة الإسلامية أصبحت “مطلبا اجتماعيا من الزبائن”، وتشكل “فرصة لتنويع السوق ومحفظة البنك”، ولقد توقع صندوق النقد العربي، أن تكون الجزائر ضمن الدول الرائدة للنمو في مجال الخدمات المصرفية الإسلامية على المستوى الإفريقي خلال السنوات العشر القادمة، مرجحا أن يكون للقارة الإفريقية دورا كبيرا في دفع التعاملات المصرفية وفق الشريعة الإسلامية.إضافة إلى تشجيع التمويل الإسلامي لتعبئة المدخرات وامتصاص السيولة من السوق الموازية، وإصدار سندات تشاركية من نوع الصكوك.إن الرهان الآن يتركز على تقريب التمويل الإسلامي من الجزائريين وعلى استقطاب الكتلة النقدية المتداولة خارج القنوات الرسمية من البنوك الوطنية والمؤسسات المالية، إن أبرز المحطات الهامة هي إعادة بعث الاقتصاد الوطني وإعادة ضخ جزء من الكتلة النقدية المتداولة في السوق الموازية وتوظيفه في البنوك الوطنية.وتعتبر هذه الخطوة المرحلة الثالثة لتعميم الصناعة المالية الإسلامية في الجزائر، والتي كانت بدايتها بتعميم الصيرفة الإسلامية عبر كافة البنوك العمومية وعدد من المصارف الخاصة.لقد برز التمويل الإسلامي في السنوات الأخيرة كبديل فعال لما يمتلكه من خصائص محفزة لجميع الأطراف، وفي سبيل تحسين الآليات التمويلية الإسلامية سعت الهندسة المالية لابتكار صيغ جديدة تتماشى والتطورات المالية الحاصلة، التي تمحورت أساسا في الصكوك الإسلامية والتي تعد أبرز الأدوات التمويلية الإسلامية التي تستخدم في تعبئة المدخرات وجذب السيولة اللازمة والتي يتم تحويلها لتمويل المشاريع الاقتصادية الضخمة والتي تعود بالنفع على الدول والمستثمرين في تلك الصكوك.يقتضي النهوض بالمصرفية الإسلامية تفعيل دور الرقابة الشرعية وتأمين استقلاليتها، تحفيز الجامعات والمراكز البحثية على تطوير الدراسات والبحوث ذات الصلة بالصيرفة الإسلامية تنظيرا وممارسة، مع ضرورة التناغم مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي.إن الجزائر تملك إطارات وكفاءات كبيرة في مجال الصيرفة الإسلامية بداخل الوطن وخارجه، يمكن الاستفادة من خبرتها وتجربتها، لذا أنا أدعو من هذا المنبر إلى إنشاء وتأسيس جمعية للمهتمين بالصيرفة الإسلامية يكون لها دور فعال في التطوير والتوجيه والتحفيز.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات