التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة في هذا العصر

38serv

+ -

يتعرض نظام الأسرة في الإسلام، اليوم، إلى تحديات عالمية خطيرة أبرزها تقنين زواج المثليين، كما أقره الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي، وشرعنة تعدد الأزواج كما تم ترويجه والإعلان عنه من امرأة عربية قريبًا.تعد الأسرة أساس المجتمع الإسلامي، فهي وحدة أساسية من وحدات العمران الكوني، وهي فطرة وسنة اجتماعية حرص الاسلام على تنظيم أحكامها لضمان استمرار وجودها في المجتمع وتماسكه: ففصّل في الأحكام والتشريعات المتعلقة بها ما لم يفصل في غيرها من الأحكام.الزواج في الإسلام مؤسسة اجتماعية دينية مقدسة، يدخل فيها الرجل والمرأة قصدًا لتحقيق مصالح مشتركة بين الطرفين. والأسرة أساس استقرار المجتمع، وقلعة من قلاع الإسلام، وحصن من حصون الإيمان، إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع بأسره.والزواج هو اقتران بين ذكر وأنثى لإشباع الغريزة الجنسية لكل منهما، وطلب التناسل المشروع، وإقامة حياة مستقرة بينهما قائمة على المودة والرحمة والسكينة، وهذا هو الأسلوب الشرعي الذي ارتضاه الله تعالى منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، قال الله تعالى: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة}، وقال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساءً}، وقال: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.ومن هذا نعلم أن مقاصد الشريعة من الزواج الشرعية تتمثل في ثلاثة أمور: أولها: إشباع الرغبة الجنسية، ويتفرع عنه تحقيق العفة والحياء. وثانيها: تحقيق التناسل الشرعي، ويتفرع عنه إشباع غريزة الأبوة والأمومة والرحم والقرابة، وعمارة الأرض، وعبادة الله. وثالثها: إقامة حياة طيبة مبنية على السكينة والمودة والرحمة، ويتفرع عنها التواصل والتراحم والتعاون بين الناس وخاصة الأقارب. وبهذا يصلح المجتمع وتستقيم الحياة.أجمل لنا العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله مقاصد الشريعة الإسلامية في الزواج الشرعي في إقامة الأسرة على المودة والرحمة والسكينة، والاستمتاع والتناسل والأبوة والأمومة وفروع القرابة والمصاهرة، ونمو العلاقات الطيبة بين الأصول والفروع والحواشي؛ لتحقيق آية الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.فقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتمامًا عظيمًا، ووضع لها نظامًا حكيمًا يرتكز على دعائم وأسسٍ قوية، فلم يترك الإسلام شأنًا من شؤونها إلا ودعمه بقسط كبيرٍ من الإرشادات والتوجيهات، التي لو أخذت الأمة بها لسارت في طريقها راشدة، كما كان يسير سلفها الصالح، والذي كان سببًا لأن تحقق الأمة خلال مراحل تاريخها الاستقرار والقدرة الدائمة على إعادة ابتعاث حضارتها، وقدرتها على صد العدوان؛ إذ كانت بِنيتها الاجتماعية سليمة، لم تصب بما أصيبت به اليوم، ومع ذلك فإن الأمل معقود دائمًا على هذه الأمة، شرط عودتها لدينها وإصرارها على التمسك بقيمه ومبادئه، حتى يمكنها استعادة عافيتها، واسترجاع دورها الحضاري المفقود.وبالنسبة لمشروعية التعدد للرجل ومنعه في حق المرأة نجد أن المرأة حين تتزوج من أكثر من رجل، لأدى ذلك إلى مخالفة أسس ومبادئ البناء المنطقي للأسرة. فالمرأة لا يمكن لها أن تحمل إلا من رجل واحد. وقد لا تنجب لأي سبب آخر، كالعقم والمرض أو هلاك الولد.وهناك أمور لا تخفى على كل ذي عقل، فالله سبحانه جعل المرأة هي الوعاء، والرجل ليس كذلك، فلو حملت المرأة بجنين (وقد وطئها عدة رجال في وقت واحد) لما عرف أبوه، واختلطت أنساب الناس ولتهدمت البيوت وتشرد الأطفال، ولأصبحت المرأة مثقلة بالذرية الذين لا تستطيع القيام بتربيتهم والنفقة عليهم ولربما اضطرت النساء إلى تعقيم أنفسهن، وهذا يؤدي إلى انقراض الجنس البشري.ثم إن الثابت الآن (طبيًا) أن الأمراض الخطيرة التي انتشرت كالإيدز وغيره من أهم أسبابها كون المرأة يطأها أكثر من رجل، فاختلاط السوائل المنوية في رحم المرأة يسبب هذه الأمراض الفتاكة، ولذلك شرع الله العدة للمرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها حتى تمكث مدة لتطهير رحمها ومسالكها من آثار الزوج السابق وللطمث الذي يعتريها دور أيضًا في هذه العملية.لقد أثبتنا أن الإسلام دين يقوم على المنطق والإبداع، وأن تعدد الأزواج تناقض منطقي، في حين أن تعدد الزوجات المشروط ليس كذلك. الأسرة المسلمة بتمسكها بقيم الإسلام يمكن أن تحفظ دينها وعقيدتها، والأسرة المسلمة هي الوحيدة القادرة على أن تصل بعناصرها إلى بر الأمان، والأسرة المسلمة هي التي يمكن أن تكون النواة الأولى لاستعادة قدر هذه الأمة، التي وقعت فريسة لأعمال الشياطين الساعين لإنهائها وإلغاء وجودها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات