أقل من نصف أقسام حزب الشعب في الأوراس شارك في تفجير الثورة

38serv

+ -

الحلقة الأولى

تشرع جريدة “الخبر”، ابتداء من اليوم، في نشر حوار تاريخي شيّق وثري بالتفاصيل المثيرة والجديدة، مع الرائد محمد الصغير هلايلي الذي كان قائدا للقطاع العسكري لولاية وهران بعد الاستقلال، تحت القيادة المباشرة لقائد الناحية الثانية، الرائد الشاذلي بن جديد، وكان عضوا في اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني ونائبا في البرلمان.يكشف الرائد هلايلي، في هذا الحوار، الكثير من الأسرار عن مرحلة حساسة من تاريخ الأوراس والجزائر، ظلت تفاصيلها غامضة ومجهولة لأجيال ما بعد الاستقلال،خاصة ما تعلق بأسرار اتهام “عجول” باغتيال الرمز مصطفى بن بولعيد، وتفاصيل محاولة اغتيال عجول شخصيا في حضرة عميروش،كما عقّب على شهادة المرحوم أحمد مهساس،  وتفاصيل أخرى نترك للقارئ فرصة اكتشافها بنفسه.قبل الحديث عن أسرار وألغاز “أسد جبل كيمل”، عاجل عجول الذي كنت كاتبه الخاص في الأوراس، حدثنا في البداية عن نفسك وكيف التحقت بالثورة؟ مرحلة التحرير مرحلة مقدسة وغالية علينا، والواجب يفرض علينا قول الحقيقة بكل صدق وأمانة وذلك بعد مرور نصف قرن من الاستقلال، والصدق في هذه القضايا أساسي بالنسبة للأجيال، وكذلك بالنسبة لتاريخ الأمة الجزائرية. لقد كنت طالبا في معهد عبد الحميد بن باديس، ومنه انتقلت إلى جامع الزيتونة بتونس، فكان والدي الإصلاحي التابع لجمعية العلماء المسلمين يحذرني من الاهتمام بالعمل السياسي قبل إتمام الدراسة، بينما كان قريبي “عجول” (صهره) يلحّ علي بأن أنتمي لحزب الشعب الذي تحول لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث كان هو المسؤول على قسم “أريس” رقم 2، وبحكم العلاقة كنت أساعده في كتابة بعض التقارير السرية ولكن دون أن أنضم عمليا للحزب عملا بنصيحة والدي، واكتفيت برتبة “محب” للحزب، أقوم ببعض الأعمال الموكلة لي من طرف “عجول” مسؤول قسم أريس.مـــتى درست بجامع الزيتونة بتونس؟ خلال الموسم الدراسي 1953ـ 1954 كنت طالبا بجامع الزيتونة في تونس، ولما اندلعت الثورة وشملت التعسفات كل العائلات الأوراسية، حيث سجن أخي محمد الطاهر وعمي هلايلي علي بتهمة امتلاك السلاح وحكم عليهما بسنتين سجنا هناك، فرض علي الواجب الالتحاق بجيش التحرير، فانتقل كل أفراد العائلة لخط النار حماية لهم من تعسفات الجيش الفرنسي، ماعدا الوالد الذي أقعدته الشيخوخة عن مصاحبة العائلة، متحملا ظلم الجيش الفرنسي، وبذلك أصبحت كاتبا لقائد مجموعة المجاهدين المكلفة بجهتنا وذلك خلال شهر مارس 1955. احك لنا قصة عجول منذ بدء التحضير للثورة مع مصطفى بن بولعيد في الأوراس؟ سأقص عليك قصة عجول كما عشتها، وستجد بعض الخلافات عن ما سمعته وقرأته، وليطمئن قلبك أكثر، أتعهد لك بشرفي أمام الله بأن لا أقول لك إلا الحقيقة. كان عجول مناضلا في الأوراس مع مصطفى بن بولعيد، وقبل ذلك كان طالبا في معهد ابن باديس مع أخي الأكبر بلقاسم، والشيخ أحمد السرحاني المعروف بجهوده الإيجابية في رفع الأمية عن الأوراسيين وذلك بفتح العديد من المدارس في الأوراس، أتبعها بجمعية العلماء المسلمين، وقبله لم تكن توجد مدارس لا بالعربية ولا بالفرنسية بمنطقتنا. بالنسبة لعجول، فإنه اختار النضال السياسي في حزب الشعب على مواصلة التعليم.متى التحق عجول بحزب الشعب؟ في بداية الأربعينيات (خلال الحرب العالمية الثانية) التحق عجول بمسؤول الحزب في أريس، المدعو المسعود بلعقون الذي كان أول من نظم خلايا الحزب في الجهة، لكن سي مسعود بلعقون ألقي علية القبض، فعوضه على القسم بن عكشة محمد الشريف الذي ألقي عليه القبض هو الآخر، فعوضه الطالب عجول كمسؤول على القسم رقم 2 وسط كتلة الأوراس، واستمر في تلك المسؤولية إلى غاية تفجير الثورة، ولم تتمكن إدارة المحتل من توقيفه لأنه أصبح يعيش في الكهوف مع من يسمونهم “الخارجون على القانون الفرنسي”، وقد شارك في أحد الإشباكات بين المجموعة والجيش الفرنسي. وبذلك استمر عجول منكبا على هيكلة الحزب وإنشاء خلاياه وتدريب مناضلي المنظمة السرية على السلاح، كل ذلك تحت إشراف سي مصطفى بن بولعيد مع عناصر أخرى محلية كانت فعالة على مستوى الأعراش في عمق كتلة الأوراس المهمشة التي تشمل كيمل الواد الأبيض (أريس) وجبل أحمر خدو وجبل تامزة ووادي العرب وجبل شليه وجبل إيشمول وهي منطقة جبلية غابية وعرة المسالك، قسمها الفرنسيون إلى قسمين، القسم الشرقي ألحقوه ببلدية خنشلة المختلطة، والقسم الغربي ألحقوه ببلدية أريس، وهذه المنطقة لم تخضع يوما لإدارة الاحتلال، فهي دوما متمردة ورافضة للانصياع، وكانت ملاجئ لمناضلي الحزب المطاردين مثل زيغود يوسف وبن طوبال وبن عودة وبلمهيدي وغيرهم كانوا في ضيافة بن بولعيد وعجول. وكان يسيطر المنطقة عليها من يسمونهم “الخارجون على القانون الفرنسي”، ونظرا لكونها منطقة منسجمة مع بعضها، أخضعها الحزب في تنظيماته لقسم أريس رقم 2 لدائرة الأوراس 7 أقسام، وبذلك أصبحت تخضع تنظيميا لعجول، وروحيا للزعيم مصطفى بن بولعيد ورفاقه الذين اشتهروا بالعدل والإصلاح بين الناس، وهو ما أهلهم لكسب ثقة السكان والتأثير على سلوكاتهم بما يخدم الوحدة والتماسك. ونتيجة لذلك التأثير الروحي والمعنوي، تفطن المحتل لخطرهم فأصبحوا هدفا لمطاردته، فقلما يباتون في منازلهم مع أبنائهم. ومن حظ عجول أن والده الميسور الحال هو من تكفل بأولاده وزوجته، لقد تفرغ عجول كليا لشؤون الحزب، لذلك تمكن من تحقيق ما هو مطلوب لإعلان الثورة بمشاركة زملائه النشطين تحت الرعاية المباشرة للقائد الروحي مصطفى بن بولعيد.كيف كانت علاقة عجول وبن بولعيد قبل الثورة؟كانت علاقة مناضلين “سبّلا” نفسهما لقضية مقدسة كانت شغلهما الشاغل في الحياة وهي تحرير الوطن، وكانت علاقة رئيس ومرؤوس تعاهدا على الوفاء والصبر في كل الأوقات وأمام كل الصعوبات لمواصلة المهمة التي آمنا بها وضحيا بأسرهما وفلذات أكبادهما من أجلها. علاقة رجال سيغامرون بزج مجتمع أعزل في ثورة يدركون جيدا مخاطرها وما سيترتب عليها من مآسٍ، وهو ما تعهد به القائد بن بولعيد أمام زملائه في الجزائر، على أن سكان الأوراس مستعدون ومتعجلون للثورة بسبب الشحن المعنوي للحزب وسيتحملون الصدمة الأولى للجيش الفرنسي بصبر وتحدٍ، ذلك أن الحوادث التي نتجت عن انتخابات 1951 تسببت في حالة حصار وطوارئ شملت منطقة الأوراس، وبلغ التعسف مداه في حق المناضلين والسكان، الشيء الذي فرض على القائد بن بولعيد المطالبة بتكوين “لجنة الدفاع عن حقوق المواطنين” لتخفيف ذلك التعسف الممنهج الذي واجهوا به المجتمع الأوراسي.هل كان عجول عضوا في المنظمة الخاصة؟ مسؤول القسم يشرف على العمل الحزبي في الأرياف ككل، بما في ذلك خلايا المنظمة السرية الجناح العسكري. ومن واجبات مسؤول القسم البحث عن العناصر المهيأة للعمل العسكري من بين المناضلين الذين جنّدهم للحزب. والغاية التي يسعى لها مسؤول القسم في التنظيم الحزبي هو تفجير الثورة، وعجول قد استدعى ليلة إعلان الثورة أكثر من 250 مناضل من المناضلين المنتمين له، وزّع عليهم القائد مصطفى السلاح ليلة إعلان الثورة في دشرة أولاد موسى، شمال مدينة أريس، وتبع التجمع الأول التجمع الثاني في جبل بوعريف “دار بولقواس”.هل كان عجول وعباس لغرور فعلا عاتبين على بن بولعيد لعدم إشراكهما في لقاء مجموعة 22؟ أبدا، لم نسمع بهذا اللغو، وما نعرفه أن عباس وعجول كمسؤولين محليين تحت إشراف سي مصطفى الذي كان مسؤولا وطنيا، يثقان في مسؤولهم ثقة عمياء، ثم إنه أصلا لا توجد أنانية بين المناضلين قبل الثورة، هذا المرض ظهر بعد مؤتمر الصومام، ومصطفى بن بولعيد يتمتع برمزية خاصة بين أتباعه وعلى قناعة تامة، ومن طبعه التشاور مع مرؤوسيه، فهم من يهيئون له الأعمال الأساسية داخل كتلة الأوراس المعوّل عليها. بالتأكيد أنه وضعهم في الصورة بالنسبة لقرار السعي لإعلان الثورة، فقط لم يحدد لهم الوقت، لأن الهدف الذي يعمل عليه الجميع واحد وهو الثورة، ثم إن اجتماع مجموعة 22 لم يشمل كل الأطراف الأساسية لضيق الوقت. كيف بدأ بن بولعيد التحضير للثورة في الأوراس؟ سي مصطفى ونوابه في الأوراس كانوا يعدّون للثورة منذ مدة، وذلك بالبحث عن العناصر المستعدة ماديا ومعنويا وجسديا للمغامرة بالثورة على حساب أسرهم وممتلكاتهم. وبعد تجنيدهم وأدائهم القسم على طاعة النظام، عملوا على الإعداد المادي والمعنوي بالتدريب على السلاح وعلى حرب العصابات وعلى تحمل الصعاب وتنفيذ التعليمات والقيام بالمهمات مهما كانت قساوتها دون مساءلة، ولما تأكدوا من استعداد المنطقة لتحمل مغامرة القيام بالثورة، تنقل سي مصطفى للعاصمة للاجتماع برفاقه هناك لتدارس موضوع الإعلان الفعلي عن الثورة، ونتيجة ذلك تم اجتماع مجموعة 22، ثم مجموعة أمانة الخمسة الذين تعزز موقفهم بانضمام كريم بعد تأكده من رفض مصالي الثورة. وبعد ذلك، عاد سي مصطفى للأوراس ليبشر نوابه بقرار إعلان الثورة، وهناك دخلوا في سلسلة اجتماعات ماراطونية لترتيب عملية التنفيذ الناجح، وحددوا لكل طرف من الأطراف التي كانت تنتظر الحدث مسؤوليته بوضوح، والاتفاق على استدعاء أفراد الطلائع الأولى بصفة فردية وشفوية دون استدعاء مكتوب (من الفم إلى الأذن)، دون تحديد نوع المهمة موضوع الاستدعاء. ليلة 29 أكتوبر 1954، وجد نحو 300 مناضل أنفسهم في منازل قريبة من بعضها البعض بدشرة الحجاج، بعضهم للخدمات وبعضهم لتنفيذ العمليات التخريبية والعسكرية، دون معرفة سبب التجمع. وفي لحظة انتظار تاريخية، دخل عليهم القائد مصطفى مع عجول وشيحاني ليبشرهم بما انتظروه ربع قرن، ثم انتقل للاجتماع الثاني في دار بولقواس لدى الطاهر النويشي ليوزع عليهم المهام الموكلة إليهم.. إنه حدث عظيم انتظروه طويلا. لقد وزع مصطفى السلاح على الجميع وحدد المهام ونظم الأفواج وعيّن عليها القادة، وحدد كلمة السر “خالد ــ عقبه”، كما عيّن الشخص الذي سيربط الاتصالات بينهم وبين القيادة العليا التي عيّنها هي الأخرى في تلك اللحظة والتي كانت متكونة منه شخصيا ومن شيحاني بشير وعاجل عجول وعباس لغرور. وبذلك، حقق مصطفى ورفاقه حلم الإعلان التاريخي عن الثورة في الأوراس، وكان الفضل لثوار الأوراس الأوائل الذين واجهوا الحصار الماحق من طرف الجيش الفرنسي الذي جنّدت له الدولة الفرنسية كل إمكانية بكل صبر وتبصر وبتحدي المرابطين الأوفياء لقضيتهم المقدسة بروح التضحية التي لا توصف خلال السنة الأولى. بكل تأكيد، فإن صبر الأوراس وتحديه الأسطوري للجيش الفرنسي كان مفتاح النصر وعاملا حاسما في نجاح الثورة خلال السنة الأولى والثانية، لأنه لو تمكن الجيش الفرنسي من إجهاض الثورة في الأوراس وأخمد شعلتها في البداية قبل استعداد المناطق الأخرى لدخول المعركة، لعشنا وضعا آخر غير سار بالتأكيد.هل يعني أن تردد كريم بلقاسم في الانضمام إلى المفجّرين الأوائل للثورة أدى إلى تأخير تاريخ تفجيرها؟ في البداية كان تردد كريم للالتحاق بالثورة وفاء منه لمصالي الحاج، غير أن ذلك التردد لم يطل ولم يتسبب في تأخير تفجير الثورة، فالمدة التي تفصل بين اجتماع مجموعة 22 والتحاق كريم بالمجموعة لم تكن طويلة، فكريم كانت قناعته بقيام الثورة ثابتة منذ البداية ولكنه كان كغيره يتمنى بأن يكون مصالي هو قائدها، ولما تلقى بعض اللوم من محيط مصالي قرر الالتحاق بزملائه الخمسة، وعندها اكتملت الفرحة بانضمام منطقة القبائل، وأعلنوا الحدث التاريخي الذي فاجأ الفرنسيين أنفسهم والعالم، وظهرت للوجود أكبر ثورة للعصر الحديث، حررت الكثير من الشعوب المقهورة.أين عقد أول اجتماع في الأوراس بعد قرار مجموعة 22 تفجير الثورة؟ أول اجتماع عقده مصطفى بن بولعيد بعد عودته من العاصمة وفي ذهنه تاريخ إعلان الثورة كان بدار المناضل الكبير المسعود بلعقون، وشارك فيه رؤساء الأقسام الثلاثة التي تعهدت مع القائد مصطفى على تفجير الثورة وهم عجول وعباس لغرور والطاهر النويشي، وفي هذا الاجتماع بشر الحاضرين بقرار تفجير الثورة، وأكد لهم بأنه قد تعهّد أمام زملائه بأن الأوراس سيصمد في وجه الجيش الفرنسي لمدة سنة ريثما تجهز المناطق الأخرى نفسها لتقوم بالواجب، وعليكم الاستعداد لذلك. واليوم ونحن نشرّح تاريخ الثورة، أعتقد أن الأوراس قد وفّى بتعهده لما فاجأ جنرالات الجيش الفرنسي بالهجومات والكمائن والمعارك الكبرى كمعركة “الجرف” وغيرها التي جلبت انتباه العالم، غير أنها، بكل أسف، لم تثمّن ووجهت بالتعتيم المتعمد لاحقا، بل وبالقضاء على من قام بتلك التضحيات المبكرة، مثل عباس لغرور وعجول ورفاقهم الأوائل الذين وقفوا في وجه الجيش الفرنسي وفضحوا ضعفه مبكرا لتنتصر الثورة.يتبع

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات