38serv
ندب علماء من الجزائر في مختلف الفترات والأزمان للإقراء والتدريس في الحرمين الشريفين، لمختلف الفنون العلمية النقلية والعقلية، من فقه وحديث وتفسير وأدب وغيرها، فكان تواجدهم بالحجاز قد أعطى دافعا قويا وفعالية كبيرة، فتوّجت بتخرّج قامات علمية كبيرة من أئمة وفقهاء ومحدثين ومفسرين وخطباء ومدرسين وقضاة ومفكرين، وخير شاهد على هذا الدور لعلماء الجزائر المدرّسين في الحجاز ما كتبه علماء التراجم والرحلات كالعلامة الغبريني والسخاوي والزركلي وغيرهم. تعدّ مكة المكرمة من أطهر الأماكن على وجه الأرض، لما تمثّله من مكانة مقدسة لدى جميع مسلمي العام، فهي قبلة المسلمين في صلاتهم، ففيها بيت الله الحرام، أي الكعبة المشرّفة التي تستقبل زوّارها كلّ يوم بالطواف حولها والدعاء عندها عند أداء مناسك العمرة، وهي مكان ولادة سيّد البشر محمد صلّى الله عليه وسلم حيث ترعرع فيها. كما تعتبر المدينة المنوّرة من أهم الأماكن المقدّسة بعد مكة المكرّمة، فهي عاصمة الدولة الإسلاميّة عندما هاجر إليها النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة رضوان الله عليهم والمسلمين من مكة المكرمة للظهور بالدين الإسلامي من بطش كفار قريش، ويوجد فيها المسجد النبوي الشريف، وهو المسجد الذي يحتضن مقام سيّد الخلق محمد صلّى الله عليه وسلم، وتضم المدينة مقبرة البقيع، وهي أول مقبرة في الإسلام، وفيها قبور الصحابة رضوان الله عليهم، وفيها أيضا مسجد قباء أول مسجد في الإسلام.وتعتبر المدينتان مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة، أماكن مطهرة لا مثيل لهما على وجه الأرض، فعلى أرضهما نزلت آيات القرآن الكريم، فهناك السور المكية التي نزلت في مكة؛ والسور المدنية التي نزلت في المدينة المنورة، وعلى أرضهما وقعت أولى الغزوات، مثل غزوة بدر في مكة المكرّمة، وغزوة أحد في المدينة المنوّرة.وبفضل هذه الخصائص والمميزات لمكة المكرّمة والمدينة المنوّرة، جعل النفوس مشدودة إليهما والأرواح هائمة في حبهما والقلوب عالقة بأكنافهما، فقصدها طلبة العلم وعلماء الأمة من كل مكان لطلب العلم والاستزادة منه وتبليغه أيضا، وكان من هؤلاء علماء جزائريون أفذاذا، منهم: العلامة التباني.. شيخ علماء مكةشدّ الرِّحال الشيخ محمد العربي التباني المولود بقرية رأس الواد بمدينة سطيف سنة 1315هـ، إلى المدينة المنورة، فلازم بها كبار العلماء، لاسيما المالكية منهم، كالشيخ أحمد بن محمد خيرات الشنقيطي التندغي (ت:1336هـ)، والشيخ العلامة حمدان الوُنَيسي (ت:1337هـ)، والعلامة الشيخ محمد العزيز الوزير التونسي (ت:1337هـ)، والعلامة محمد محمود التركزي. وبعدها، قصد مكة المكرّمة للإقامة وطلب العلم على يد الشيخ مشتاق أحمد الكانفوري (ت:1359هـ)، والشيخ عبد الرحمن دهان (ت:1337هـ)... وغيرهم.وبعد أن استقرّ في البلد الحرام، عقب عودته من أرض الشام التي قصدها أثناء أحداث الثورة العربية الكبرى، عُيِّن مدرّسا في مدارس الفلاح سنة 1338هـ، كما درّس في المسجد الحرام مختلف العلوم الشرعية المتنوعة وآلاتها، كالحديث والتفسير والأصول والبلاغة. وتتلمذ عليه طلبة كثيرون من أهل مكة والواردين عليها، حتى قال أحدهم في حقه إنه أصبح ركنًا “من أركان بيت العلم بمكة المكرّمة”. وتوفي في صفر من عام 1390هـ.الشيخ إبراهيم التلمساني.. الورع الخيِّريعدّ الشيخ إبراهيم بن رجب بن حماد البرهان أبو إسحاق الرواسي التلمساني الشافعي، من المشايخ العلماء الورعين المتنسكين في الخير. أقام الشيخ أبو إسحاق التلمساني في المدينة المنوّرة، واشتهر بفضائله، وعرف بطول بقائه في المسجد النبوي مشتغلا في مذهبه الشافعي، وتميّز بأنه مجيد لعلم الفقه والأصول والحديث واللغة وغيرها. وكان يجلس في آخر المسجد النبوي الشريف ويدرّس الطلاب حتى انتفعوا منه، وتخرّج على يديه عدد من العلماء.كانت للشيخ إبراهيم التلمساني كتب جليلة في الفقه والأصول والحديث واللغة وغير ذلك، أوقف أكثرها بمكة المكرّمة، ووقف بعضها بالمدرسة الشهابية، وتوفي سنة 755هـ/1354م.الشيخ ابن الفخار.. مربّي الأبناءيعتبر الشيخ محمد بن محمد بن ميمون أبو عبد الله الجزائري المعروف بابن الفخار، أصله من الأندلس ومولده بالجزائر، قرأ بها القرآن والفقه، ثم انتقل إلى تلمسان وأقام بها، وثابر على قراءة العلم على شيوخها، وأقام بتونس سنة أو أكثر بقليل، ثم ارتحل إلى مصر فأقام بها أشهر ثم حجّ، وأقام بالمدينة المنوّرة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.توجّه إلى الحجاز وسكن المدينة المنوّرة خمسة أعوام يؤدّب فيها الأبناء، إلى أن توفي في عصر يوم الخميس التاسع والعشرين من رمضان سنة 801هـ/1398م، ودفن في صبيحة يوم الجمعة، وكان يوم العيد، قبل صلاة العيد بالمعلاة.العلامة عبد القوي البجائي.. العابد الخيِّريعتبر الشيخ عبد القوي بن محمد بن أحمد أبو محمد البجائي، المعروف بابن عبد القوي المالكي، نزيل مكة، وكان عارفا بالفقه مستحضرا لكثير من الأحاديث والحكايات والأشعار المستحسنة، وذا حظ من العبادة والخير.قدم إلى ديار مصر في شبيبته، فأخذ بها عن الشيخ يحي الزرهوني وغيره من علمائها، وسكن الجامع الأزهر، ثم انتقل إلى مكة، وأخذ بها عن الشيخ موسى المراكشي وغيره، وسمع بها عن النشاوري وسعد الدين الإسفراييني وغيرهما.جاور بمكة حوالي ثلاثين سنة، وتوفي ليلة الأربعاء ثالث شوال سنة 816هـ/1413م بمكة المكرّمة، ودفن بالمعلاة وحمل نعشه الأعيان من أهل مكة للتبرك به.الشيخ أحمد القسنطيني.. شيخ رباط الموفقالشيخ أحمد بن يحي بن عيسى بن عياش بن إبراهيم العوكلي القسنطيني، نزيل مكة المكرّمة وشيخ رباط الموفق، المعروف بـ«رباط المغاربة” لكثرة نزلائه من أهل المغرب الإسلامي، وجعله صاحبه القاضي الموفق علي بن عبد الوهاب الإسكندري خاصا بالفقراء والمتعبدين من المجاورين بمكة من المسلمين القادمين من بلاد المغرب الإسلامي.يعتبر الشيخ أحمد بن يحي القسنطيني عالما مالكيا من أهل قسنطينة، نشأ بها وتعلّم. رحل إلى المشرق وحجّ، ثم استقرّ بمكة المكرمة وولّي مشيخة رباط الموفق إلى أن توفي سنة 860هـ/1455م.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات