38serv
الشباب في كل أمة ألم أو أمل، ألم إن كانوا تائهين عن سبل المعالي، مهتمين بالسفاسف، منهمكين في العبث، غارقين في اللهو. وأمل إن كانوا سالكين سبل المعالي، مهتمين بأشراف الأمور وكبارها، منهمكين في النافع المفيد، مجتهدين جادين.ومن عادتنا ومن عادة وسائل الإعلام للأسف الاحتفال والاهتمام بالأخبار السلبية من أحوال الشباب: جرائم وانحرافات وشذوذ ونقائص تسلط عليها الأضواء، وتنشر أخبارها، وتسرف في تحليلها، فإن خرجت عن هذه الأمور فلتغطية أخبار اللاعبين والفنانين والمغنيين، وهؤلاء في غالبهم يعانون الضياع ويعيشونه، والفضائح تصبحهم وتمسيهم، ولا نفع من ورائهم مهما (زوقهم) الإعلام، ومهما فخمهم: اللاعب الكبير، والمغني الشهير، والفنان القدير!، فهذه كلها ألقاب جوفاء، براقة نعم لكنها فارغة، إلا من الضياع واللهو والعبث!.لكن في المقابل نجد إهمالا شبه تام للشباب الصالح، المنهمك في خدمة مجتمعه وبلاده، المنشغل بما ينفعه وينفع غيره، هؤلاء الشباب الذين هم بحق أمل المستقبل، والذين هم بحق قلب المجتمع وعقله، والذين هم بحق كبار بتضحياتهم وأعمالهم. هؤلاء الشباب الذين أظهر شهر رمضان معدنهم النفيس الذي لا يقدر قيمته كثير من المسؤولين والمثقفين، فكم من شاب أمّ الناس في صلاة التراويح عبر مساجد الوطن، وهو يتغنى بالقرآن، جامعًا الناس على ذكر الله وطاعته!. والله لهم أفضل مليارات المرات من لاعبي الكرة والمغنيين والمغنيات!. ولكن أكثر المسؤولين لا يعلمون!.وكم من شاب ترك دفء العائلة وترك الراحة وراح يتطوع لتفطير الصائمين في موائد الرحمة وعبر الطرقات في كامل البلاد، بعيدا عن أضواء الشهرة والإعلام!، والله لهم أفضل مليارات المرات من لاعبي الكرة والمغنيين والمغنيات!. ولكن أكثر المسؤولين لا يفقهون!. وكم هم أعداد الشّباب المجنّدون في الجمعيات بمختلف نشاطاتها يقدمون ما يستطيعون تقديمه لشعبهم وبلادهم تطوعا واحتسابا، هؤلاء هم الكبار حقا، وليس هم اللاعبين والعابثين، وهؤلاء هم من يشرفون الجزائر حقا، وليس هم الفنانين واللاهين!.إن هؤلاء الشباب أعطوا رسالة واضحة مفادها في شق منها: أن التعميمات الظالمة الحاكمة على الشباب بأنه لا خير فيه، وأنه شباب لهو وانحراف، وأنه يعشق الراحة وليس مستعدا للبذل، هي أحكام جائرة تختزل الصورة والحقيقة في بعض المظاهر السلبية، وتغفل عن قصد عن الصورة المشرقة للشباب؛ ربما لأن في الغالب يكون الدافع لهؤلاء الشباب الخيّر إلى التطوع هو الروح الدينية وابتغاء الأجر من عند الله سبحانه، وبعض بني جلدتنا لا يريدون أن يكون للدين أي دور في حياتنا!.ومفاد رسالتهم في شق ثان: إن وجد مشاريع واضحة لخدمة البلاد والعباد، وتوفر قادة صالحون، يحرصون على الخير، من غير أي صورة من صور الاستغلال والاستغفال والاستعلاء، فإن الشباب سيكونون سباقين للبذل والعطاء والتضحية... أظن أن الرسالة واضحة والصورة أوضح.وعليه فمن المهم الالتفات إلى الشباب الصالح تثمينا لجهوده، وإبرازا لدوره، وتقديرا لتضحياته، وقبل ذلك لا بد من إبداع المشاريع النافعة الصادقة، وتطوير المبادرات المحلية الناجحة، وإعطائها ما تستحق من الدّعاية والاهتمام، فتحًا للأبواب أمام طاقات الشّباب الحيّة، وفتحًا لنوافذ الأمل أمامهم، وإعلاء لقيمة الشباب الواعي النافع المستعد للتضحية من أجل خدمة بلده، وإسعاد غيره، وبناء مستقبل مشرق باسم.ومن أجمل ما يعبر عن هذه المعاني بتعابير جميلة رشيقة رقيقة كلمة الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله إلى الشباب إذ يقول: “إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الإيمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب؛ لأن أساس الإيمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العمل العزم الفتي، وهذه كلها لا تكون إلا للشباب. ومن هنا كان الشباب قديما وحديثا في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل فكرة حامل رايتها: {إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى}. ومن هنا كثرت واجباتكم، ومن هنا عظمت تبعاتكم، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم، ومن هنا ثقلت الأمانة في أعناقكم. ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلا، وأن تعملوا كثيرا، وأن تحددوا موقفكم، وأن تتقدموا للإنقاذ، وأن تعطوا الأمة حقها كاملا من هذا الشباب”.*إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات