+ -

بعيدا عن سرطان الصراع عن السلطة، وتعفنه إلى درجة خروج انتفاخات جانبية للعلن، وبعيدا عن سرطان الجري وراء الثالثة والرابعة والخامسة الذي ينهش الساحة السياسية، ويؤدي بها إلى الموت المحتوم بسبب العقم السياسي والفكري، وبعيدا عن سرطان الضرب تحت الحزام وفوق الحزام.. نقرأ اليوم في الصحافة تقريرا لجمعية مكافحة السرطان، يقول إن 50 حالة وفاة بالسرطان تسجل يوميا في الجزائر أي 1500 حالة وفاة شهريا أي 18.000 حالة وفاة سنويا.. ألا يصيبكم هذا الخبر بالقرف والغثيان أكثر من تصريح سعداني؟.. بعيدا عن “الفوق” يا سادة، هناك شعب “التحت”. انظروا قليلا إلى ذلك “التحت” الذي لأجله أنتم “الفوق”.. هناك شعب يا سادتي يلزمه أن يأكل كل ما هو صالح، ويعالج في مستشفى محترم، ويدرس دون إضرابات يومية، ويتنفس بعيدا عن قاذورات واد الحراش، ويفرح ويعيش.. باختصار، هناك شعب يريد أن يحس بالاستقلال، بالحرية، بالكرامة، هناك شعب يلعنكم مساء صباح، وهو ينتظر حافلة النقل التي تتأخر أكثر من ساعة، يلعنكم كلما استيقظ السادسة صباحا ليؤمن كيس حليب لأبنائه.. يلعنكم كل يوم عند ذهابه إلى المستشفى مضطرا، ولا يجد حتى كرسيا في قاعة الاستعجالات ليجلس عليه.. يلعنكم حتى عندما لا يسقط المطر، لأنه يرى ككل البسطاء المؤمنين أن الفساد الذي عمّ المعمورة يُذهب ليس الرزق فقط، بل النور من الشمس أو كما يقول المثل الشعبي: “وجودكم يقطع الخميرة من الدار”.. شعب يلعنكم ومعه تلعنكم دماء الشهداء الذين تركوا لكم هذه الجنة على طبق من ذهب فحوّلتموه إلى طبق من جمر ونار، لشعب يعشق بلاده حتى النخاع.. شعب يلعنكم كلما لم يجد ما يأكل، وأين يدرس وأين يعالج وأين يسير في الطرق المغلقة بسبب أو بآخر وأين يستريح في مكان أو حديقة عامة نظيفة، وكم هي الجزائر جميلة، لكنكم حوّلتموها إلى كيس قاذورات كبير بسياستكم، بأنانيتكم، بصراعكم، بنهبكم، بتكالبكم، بتحالفاتكم المشبوهة، بصمتكم، بتقاعسكم، بجهلكم وعدم كفاءتكم، بتواطئكم، بخياناتكم لأمانة الشهداء.. ما يحدث في الجزائر اليوم يذكرني بتلك القصة الشهيرة التي تتحدث عن امرأتين، كل واحدة ادّعت أن طفلا هو ابنها وفلذة كبدها وتخاصمتا إلى أن وقفتا أمام القاضي، ولم يكن في يد القاضي الذي اهتدى إلى فكرة ذكية بعد أن اشتد الصراع، إلا أن اقترح أن يقسم الطفل إلى قسمين، بما أن كلتيهما لم تتوقف عن المطالبة به، فصرخت الأولى: “نعم سيدي القاضي نعم اقسمه بيننا وهكذا ننتهي”، بينما صرخت الثانية وهي تغرق في دموعها “لا.. لا تفعل دعه لها، المهم أن لا يصيبه مكروه”، فعرف القاضي أمه الحقيقية التي تقبل أن يعيش ولا يمسه مكروه ولو بعيدا عنها. لكن، ماذا لو لم تكن الاثنتان أمه الحقيقية والقاضي بلا ضمير، سيقسم الطفل أطرافا ويكون الضحية الوحيدة لصراع لا دخل له فيه، سوى أنه جاء إلى الوجود ولم يجد من يحميه..من يحمي الجزائر من ديناصورات لا ترحم، تعودت أكل لحم البشر دون رادع؟ من يحمي شعبا لا حول ولا قوة له، تم تجريده من كل مؤسساته ورجالاته ومحاميه وترك لسنوات أخرس، أصم، أعمى، مشلولا؟ من يقول لا لهذا الجنون ويعيد للشعب كلمته؟ نحن نموت على كل حال بكل الطرق.. نحن نموت كل يوم في صمت، بسبب حوادث الطرقات المتهرئة.. نموت من الضغط  والسكر وكل أنواع الأمراض النفسية والعضوية التي لم يعرفها الجزائري من قبل، فعلى الأقل دعونا نموت من أجل ما هو أنبل لا كجيفة بلا قيمة توضع تحت التراب..

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: