+ -

 يتبين اليوم جليا أن رؤية حكامنا للانتخابات الرئاسية المقبلة لا تشوبها أي غموض، على عكس ”الاستنتاجات الدبلوماسية” الواردة في تقرير الجمعية الوطنية الفرنسية حول الوضعية السياسية في بلدنا بالنسبة للشفافية المرتقبة التي ستدور فيها هذه الانتخابات وبتالي فيما يخص تعيين المرشح الفائز. من الواضح أن رئيسنا المقبل هو رئيسنا الحالي، إلا إذا أراد اللّه برحمته الواسعة شيئا آخر، وحتى في هذه الحالة فسيزف لنا رئيس غيره تم اختياره على أحسن وجه وذلك لصالح البلاد والعباد. إن الذين لديهم قناعة دون هذين الاختيارين سيرون كم هم مخطئون.السؤال البديهي الذي يطرح نفسه: لماذا نترك لمجموعة قليلة أو شخص واحد، مهما كانت صفته وعبقريته تأخذ القرارات عوضنا، وهل هناك نهاية لهذه الوضعية غير المعقولة؟ بالنسبة لأصحاب ”الحكامة الأبدية بالوكالة”، الشعب الجزائري، مثله مثل الشعوب المتخلفة، لا يتمتع بالنضج السياسي المطلوب الذي يسمح له بتقرير مصيره بنفسه إذ إن الديمقراطيات الغربية لم تتجذر في أوروبا إلا بعد قرون من الثورات والتضحيات.في الحقيقة إن هذا التأكيد خال من كل واقعية، لكونه لا يأخذ في الحسبان التطور الهائل في تكنولوجيات الاتصال والإعلام التي سمحت بالانتفاع في ظروف قصيرة جدا بتجارب الشعوب السباقة في بناء ديمقراطياتها.زيادة على ذلك، وهنا الحجة الكبرى، إن الديمقراطية تمرين يومي من المفروض أن يكون على عاتق الحكام ومن مهامهم الأولى أن يوفروه لمواطنيهم، وهي أيضا حق شرعي من واجب المواطنين، وخاصة النخبة منهم أن يمارسوه كاملا.والحمد للّه أن بلادنا تتوفر على نخبة من أكثر النخب ثقافة وعلما في كل الميادين وهي ”مسيسة” إلى أقصى حد إلا أنها متشتتة، غير مؤطرة ولم تستطع إلى يومنا هذا تنظيم نفسها حتى تتمكن من التعبير عن مواقفها في القضايا الوطنية الهامة لأسباب تعود خاصة إلى طبيعة نظامنا السياسي.حان الوقت أن نخرج عن صمتنا لأن مستقبل البلاد في خطر، وهو بين أياد مجموعة لا تفكر إلا في الانفراد بالسلطة خدمة لمصالحها فقط وإلا فكيف يفسر تمسكهم بشخص مريض؟ إنجازاته يعرفها العام والخاص ولا يستحيون من هذه المهزلة والعالم ينظر إلينا باستغراب حينا وباشمئزاز أحيانا أخرى.كفانا رداءة وذلا؛ إن ديننا الحنيف والقواعد الأخلاقية البسيطة وضمائرنا لا تسمح لنا بالسكوت أكثر من هذا. لماذا لا نعبر بطريقة حضرية عن حقنا في اختيار من تتوفر فيه المعايير الموضوعية ”للحاكم الصالح” ألا وهي:-الحكمة، حتى تكون قراراته وسلوكه مثالا في الصواب؛-الأخلاق والماضي النظيف، ليكون قدوة للشعب؛-الثقافة الواسعة التي تمكنه من تسيير البلاد وفهم مشاكلها والاقتناع بحلّها؛-القدرة الصحية، حتى لا يكون عقبة أمام السير العادي لمؤسسات الدولة.وبعد انتخاب رئيس الجمهورية على أساس احترام المعايير السابقة، يتعهد هذا الأخير أمام الشعب بصفة رسمية:-بضمان التعامل نفسه لكل المواطنين بما في ذلك لمقربيه وأفراد عائلته؛-بالإشهار بثروته قبل تسلمه الرئاسة وعند نهاية عهدته؛-بضمان سير مؤسسات الدولة بكل حرية، وفق القوانين وحسب صلاحياتها؛-تأمين الفصل بين ممارساته لمهامه الوطنية والمسائل الشخصية حتى لا يندس أقاربه في أمور الدولة.هذا لا يعني أن المرشح للرئاسيات ينبغي أن يكون ملاكا؛ بل هذه الميزات تشكل الحد الأدنى الذي يستوجب أن يتوفر في ”أولي الأمر منا” وإلا ما الفرق بينه وبين عامة الناس؟ أما إذا ترك الباب مفتوحا لمن هبّ ودبّ خروجا من هذا الإطار فلا استغراب بعد ذلك أن تكون ”القوة” أو المال أو النسب مصادر للسلطة.علينا أن نقوم بتحسيس الرأي العام بهذه التعهدات التي ستقع على مسؤولية القاضي الأول في البلاد، وسنرى من سيقبل بالترشح بعد توفره على الشروط المذكورة. ستصبح المسؤولية على كل المستويات تكليفا وليس تشريفا بمفهوما الكامل.واجبنا الوطني يملي علينا ألا نسكت هذه المرة ونسمع صوتنا للشعب الجزائري رافضين فرض أشخاص، مهما كانت صفتهم، لا تتوفر فيهم هذه الشروط التي من دونها ستسقط بلادنا في السيناريو الذي تجاوزتها عديد من البلدان المجاورة.علينا أن نطلق مبادرة في هذا الاتجاه تأخذ شكل نداء للمرشحين أن يعدلوا عن نيتهم في الترشح إذا كانوا خارجين عن إطار المعايير المذكورة وللهيئة الناخبة خاصة والشعب عامة أن يقاطع كل مرشح لا تنطبق عليه هذه المعايير.أما إذا اخترنا السكوت، كما جرت العادة، فسيسجل علينا التاريخ تقاعسنا، وسيبقى موقفنا وصمة عار تسجل على حسابنا، زيادة على خيانتنا للأجيال المقبلة وللوطن، لكوننا لم نقم بواجبنا نحو الأولين ولم نلب نداء الثاني وهو في أشد الحاجة إلينا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات