38serv
يعدّ مفهوم التنمية البشرية من المفاهيم التي شاعت في العقود الأخيرة في الدراسات العلمية والتقارير الدولية التي تسعى إلى إيجاد بيئة أفضل للعيش وممارسة الحياة، وعرّفه أهل الاختصاص بأنه “عملية واسعة وشاملة ومستمرة ومتعددة الجوانب لتغيير حياة الإنسان وتطويرها إلى الأفضل”.إن التنمية البشرية هي من المفاهيم الحديثة التي غزت العالم مؤخرا، مع أنها من الناحية العملية موجودة منذ القدم، فقد تناوله الإسلام عمليا منذ زمن بعيد، والمقصود الأساسي للتنمية البشرية في الإسلام أنها تنمية تشمل جميع مناحي الحياة الإنسانية، من خلال قواعد مستنبطة من القرآن والسنة تقوم على جملة من الأسس، مثل الاستخلاف، والتسخير، والتخطيط، والمسؤولية، والعمل، والإصلاح، والهدف منها بقاء الإنسان، وتوفير حاجاته، والانتقال إلى مستوى أفضل. وهي ضرورة ملحة لكافة المجتمعات، ومنها المجتمعات العربية والإسلامية التي لديها ما يؤهلها لتحقيق التنمية بنجاح، كون الدين الإسلامي بما يتضمنه الكتاب من آيات مباركة والسنة النبوية، من أحاديث شريفة تشكل المصدر الأساسي لتحقيق تنمية بشرية متوازنة.ولا شك أن عمارة الأرض تتطلب عنصرا فاعلا ومؤثرا وهو الإنسان، إذ لا يمكن أن تتم عملية الإعمار إلا بإنسان قادر ومهيأ بالإيمان والعلم والفكر والمهارة التي تمكّنه من القيام بعملية الإعمار، وهذا لبّ التنمية البشرية التي ترتكز على تطوير الإنسان بجميع مكوّناته النفسية والعملية، قال تعالى: {هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب}. فهو محور النشاط في الكون؛ سخر الله له ما في السماوات والأرض جميعا، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، فكل ما في الكون له ولخدمته. لذلك، حرص الإسلام على المحافظة على نفسه وعلى عقله وعلى نسله، ليس باعتباره أحد عناصر الإنتاج التي يجب تنميتها للمساهمة في النمو الاقتصادي، بل تحقيقا لإنسانيته أولا، ولكي يستطيع القيام بدوره على أكمل وجه في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي عبادة الله تعالى بمفهومها الشامل وفقا لشرع الله سبحانه.ويلاحظ تدني مستوى التنمية البشرية في غالبية الدول الإسلامية بشكل عام والدول العربية بشكل خاص، مما يلفت النظر إلى أن هذا الوضع المتدني يغاير تماما ما كانت عليه المجتمعات الإسلامية المتمسكة بأصول دينها ومبادئه في العصور الأولى، والتزامها بما جاءت به رسالة محمد صلّى الله عليه وسلم.لقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإعداد؛ قال عز وجل: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اللّه وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم اللّه يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل اللّه يوف إليكم وأنتم لا تظلمون}.كما حث النبي صلّى الله عليه وسلم على التخطيط المستقبلي، حيث قال: “إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس...”، وإذا كان التخطيط لمستقبل الورثة، وهم أفراد محدودون، مأمور به، فإن التخطيط لمستقبل المجتمعات والشعوب والدول أهم وأكثر حاجة.ثم يأتي العمل الذي يعدّ الأساس والمحور الذي تدور عليه عملية تنمية الموارد البشرية، وقد اهتم الإسلام بالعمل وحث عليه، سواء كان عملا تعبديا أو مهنيا، ورفع من قيمة العمل، يقول تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا}، {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}، ويحث النبي صلّى الله عليه وسلم على العمل، فقال: “ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة”، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”، ولا شك أن الإنسان الذي يراد له أن يؤدي عمله ويتقنه لابد له من مهارة وإعداد، وذلك صلب عملية تنمية الموارد البشرية.إن ما تعانيه كثير من شعوبنا العربية والإسلامية من فساد وخلل وانهيار، إنما يعود في كثير منه إلى ضياع الأمانة، ولا شك أن غياب الأمانة إنما يعود في جزء كبير منه إلى غياب الإيمان، كما يعود أيضا إلى غياب مفاهيم التنمية البشرية الصحيحة التي تقوّم البناء الأخلاقي للإنسان. وقد أعطى الإسلام أهمية كبرى للأمانة، فقال سبحانه ممتدحا المؤمنين: {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون}، وحذّر النبي صلّى الله عليه وسلم من تضييع الأمانة، فقال: “إذا ضيّعت الأمانة فانتظر الساعة”، قالوا: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: “إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات