الوسطاء العرب في مواجهة الغطاء الأمريكي للتعنت الإسرائيلي

38serv

+ -

منذ بداية العملية العسكرية لكتائب القسام في السابع من أكتوبر ضد المواقع العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة، تحرك الوسطاء من كل الاتجاهات، لكن أهمهم الولايات المتحدة الأمريكية كوسيط عن الكيان الإسرائيلي، يفاوض ويتحرك من أجل الأسرى ومنهم الأسرى الأمريكيون، في المقابل ظهرت قطر ومصر كوسيط عن الملف الفلسطيني، ثم التحق بهما وسطاء آخرون.

تكونت المجموعة العربية التي تبنت المطالب الفلسطينية -ليس مطالب حماس-، وتضم مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية، تتمثل، والمطالب الفلسطينية المعلنة، في وقف العدوان وإدخال المساعدات، وفتح مسار سياسي على اعتبار أن عدم حل الصراع وإقامة دولة فلسطينية هو أساس الانفجار المتكرر للصراع، وبالمناسبة فإن أهداف حركة حماس التي أعلن عنها رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية، هي وقف العدوان وفتح المعابر وصفقة تبادل أسرى وفتح آفاق سياسية لإقامة دولة فلسطينية.

واجتمع وزراء خارجية تلك الدول وممثل السلطة الفلسطينية، حسين الشيخ، أمس، مع وزير الخارجية الأمريكي في العاصمة الأردنية عمان، وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد "إن وزراء خارجية خمس دول عربية يجتمعون السبت في "موقف عربي موحد" في عمان مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، للتأكيد على "ضرورة الوقف الفوري للاعتداءات الإسرائيلية، وأولوية دخول المساعدات، ومنع التهجير وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة هو الحل".

في المقابل، كشفت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية، نقلا عن مصدر أمريكي، أن واشنطن ستستخدم اجتماع عمان من أجل تشجيع الشركاء الإقليميين على دعم أكبر عدد ممكن من استراتيجياتها فيما يتعلق بالحرب بين إسرائيل وحماس.

وتواجه جهود الوساطة العربية التعنت الإسرائيلي الذي ينفذ حرب إبادة وتغييرا ديمغرافيا في قطاع غزة، ويضع أهدافا غامضة للعدوان، بينما الوقائع على الأرض لا تعمل لصالحه جراء التعثر في مواجهة مقاومة شرسة للحرب البرية، سببت ألما كبيرا لإسرائيل، وبات واضحا للجميع أن جيش الاحتلال اختار الثأر من دماء الأطفال والنساء، دون أن يمس بشكل حقيقي بنية المقاومة التي تواصل التصدي والحد من التوغلات البرية وأيضا قصف المدن الإسرائيلية.

 

قطر.. الوسيط الأهم

 

وجود المجموعة العربية في المستوى السياسي لا يمنع وجود ترتيب من حيث الأهمية للوسطاء، والذي يتضح أن دولة قطر هي الأهم والأكثر تأثيرا في حركة حماس، بحكم وجود قادة الحركة في الدوحة والتمويل الذي قدمته قطر لقطاع غزة على مدار السنوات السابقة، ومعالجة نتائج حرب 2014 عبر اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، والإشراف على المساعدات النقدية بقيمة 30 مليون دولار شهريا، وإقامة عدد من المشاريع خاصة في مجال الإعمار.

وأكدت قطر أنها تقيم مكتبا تمثيليا لحركة حماس على أراضيها بناء على طلب من الإدارة الأمريكية لإدارة الوساطة مع حركة حماس، وقد هدد عضو لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب الأمريكي، والتز بريس، دولتي قطر وتركيا، في مقابلة عبر قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، قائلا: "نحن بحاجة إلى إرسال رسالة واضحة للغاية إلى داعمي حماس، سواء كانوا تركيا أو قطر أو غيرهم.. مفادها أنه إذا تم لمس شعرة واحدة من رأس أمريكي، فسيشعرون جميعا بالتداعيات، وليس فقط قيادة حماس نفسها".

هذا التهديد أثار حفيظة السفارة القطرية في واشنطن التي ردت بحزم على هذه التصريحات، بالقول: "نستغرب قيام لجنة الاستخبارات الأمريكية بالترويج لمعلومات مضللة عبر حسابها الرسمي، علما أن المكتب السياسي لحماس في قطر تم افتتاحه بناء على طلب أمريكي لإنشاء خطوط اتصال غير مباشرة مع حماس".

واعتبرت السفارة القطرية في واشنطن أن هذه التصريحات "لا تؤدي إلى نتائج عكسية لجهود قطر في المفاوضات الجارية فحسب، بل تشكل أيضا تهديدا مباشرا لحليف الولايات المتحدة. إن نشر هذه الروايات الكاذبة يخلق عقبات أمام جهود الوساطة البناءة".

وقد تمكنت قطر من الافراج عن رهائن أمريكيين في مبادرة من قبل حركة حماس، وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، إن فريق العمل المسؤول عن التوسط في مفاوضات الرهائن بين إسرائيل وحماس "يعمل على مدار الساعة"، وأن التصعيد على الأرض يجعل الوضع "أكثر صعوبة".

 

مصر.. البوابة الوحيدة

 

تعد مصر هي البوابة الوحيدة للتعامل مع قطاع غزة وصاحبة الدور الرئيس في وقف جولات الصراع السابقة، وبناء التهدئات بين الفصائل في غزة ودولة الاحتلال، كما أنها صاحبة صفقة التبادل الأهم بين حماس وإسرائيل عام 2011، إلا أن مصر وجدت نفسها في مواجهة خطة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة "مؤقتا"، كما طرح الوسطاء الأمريكيون والألمان، لكنها رفضت ذلك تماما وأعلنت استنفارا سياسيا وحكوميا ومؤسساتيا وإعلاميا وشعبيا في مواجهة هذا المخطط.

وقاد الرئيس المصري هذا التصدي بشكل حازم وهدد باستدعاء خروج شعبي كبير لمواجهة هذا المخطط الذي تريده دولة الاحتلال منذ زمن بعيد لتحميل مصر مسؤولية جزء من الشعب الفلسطيني وقلب المعركة السكانية لصالح إسرائيل.

وقبل أيام، أرسلت مصر رئيس الوزراء إلى حدود قطاع غزة لاستكمال مخطط إعمار سيناء، باعتبارها أرضا مصرية خالصة ولا يمكن أن تكون مكانا لأي لجوء مؤقت أو دائم، كما استقبلت القاهرة الكثير من الوفود الدولية والاتصالات الرسمية على أعلى مستوى لاحتواء الوضع الكارثي في غزة وإدخال المساعدات وعلاج الجرحى في المشافي المصرية.

وقد أعلن الرئيس السيسي، منذ تفجر الصراع، أن الحل يتمثل في إدخال المساعدات لإنقاذ الوضع الإنساني ووقف الحرب، والشروع بعد ذلك في عملية سياسية لحل أساس الصراع. ودافع عن هذه الرؤية في كل المحافل واللقاءات والاتصالات، مع إبداء غضب شديد من الحكومة الإسرائيلية، ما دفع بعض الكتاب الإسرائيليين للتحذير من أن السلام مع مصر يواجه تحديات كبيرة، وقد يواجه انتكاسة كبيرة في أول علاقة بين تل أبيب والعالم العربي.

ولم يدخل الوسيط المصري في تفاصيل صفقة للتبادل بين حماس وإسرائيل حاليا، باعتبار أن الوضع يجب أن يعالج ضمن رزنامة واحدة وبشكل جذري، خاصة أن كل الأطراف تدرك أنه لا حلول لمعضلة غزة أو القضية الفلسطينية إلا عبر البوابة المصرية.

 

الخبرة اللبنانية

 

عمل قطر على المستويين السياسي والأمني المرتبط بصفة تبادل، انضم إليه الوسيط اللبناني، حيث تستضيف بيروت عددا من القادة العسكريين وفي مقدمتهم الشيخ صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وقيادة الساحة اللبنانية التي تضم مخيمات فلسطينية فيها أعداد كبيرة من المقاتلين من حركة حماس، شاركوا مؤخرا في المواجهة مع إسرائيل انطلاقا من الحدود اللبنانية.

وفي هذا الإطار، أعلن اللواء عباس إبراهيم، المدير العام السابق للأمن العام اللبناني، عن مشاركته في مفاوضات تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، مؤكدا أن "اليد العليا في هذا الملف ستكون للفلسطينيين"، موضحا أنه: "لا يعتقد أن حركة حماس والعشرة آلاف من الضحايا الذين سقطوا منذ السابع من أكتوبر، سيقبلون بأقل من تصفير السجون الإسرائيلية، فدماء الأطفال سقطت من أجل هذا الهدف ومن أجل تحرير فلسطين".

وأعلن اللواء ابراهيم أنه سيستكمل لقاءاته مع قيادات حماس في الخارج، معربا عن أمله في أن تحمل هذه اللقاءات الخير للفلسطينيين.

 

تركيا ضامن وفق النموذج القبرصي

 

أما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فاختار التصعيد السياسي ضد دولة الاحتلال وحلفائها منذ البداية. واعتبر حركة حماس حركة تحرر وطني وليست حركة إرهابية. تصريحات أردوغان جاءت عكس التوجه التركي قبل الحرب بالانفتاح على إسرائيل واستعادة العلاقة معها في مسار اقتصادي محوره تصدير الغاز إلى أوروبا وملف التبادل الاقتصادي الكبير بين أنقرة وتل أبيب.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، "لم يعد شخصا يمكننا التحدث معه بأي شكل من الأشكال، لقد محوناه وألقينا"، محملا إياه مسؤولية الهجمات على غزة.

وأعرب أردوغان عن استعداد بلاده للعب دور (الضامن) في غزة على غرار نموذج جزيرة قبرص: "إذا كانت اليونان دولة ضامنة في قبرص.. وتركيا أيضا دولة ضامنة بطبيعة الحال، فلم لا تكون هناك آلية مماثلة في غزة؟".

وأردف قائلا: "ندعم المبادرات التي تجلب الاستقرار والسلام للمنطقة. ولا ندعم المخططات التي تستهدف حياة الفلسطينيين وتسعى لإزالتهم من مسرح التاريخ".