38serv
على مضض ابتلع الغرب وحلفاؤه في أوروبا الشوكة التي كانت في حلوقهم، جراء الأعمال العسكرية التي شنتها المقاومة الفلسطينية وفصائلها في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، مترقبين ما ستسفر عنه الأيام الأربعة من الهدنة الإنسانية.
بلا أدنى شك، ما حققته الفصائل الفلسطينية المقاومة للاحتلال الصهيوني في قطاع غزة المحاصر يصنف في أبجديات الحروب القديمة والحديثة على أنه انتصار بكل المقاييس، لأن المقاومة استطاعت بل نجحت في الإبقاء على زمام المبادرة بين يديها، بداية من الهجوم الأول في 7 أكتوبر الماضي، وانتهاء بالكلمة الأخيرة التي عادت إليها في إملاء شروط الهدنة الإنسانية ومدتها، وظروف تنفيذ بنود اتفاقها، وخاصة في الشق المتعلق بتبادل الأسرى.
بدأت ملامح الانتصار عندما نزل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، ورئيس وزراء بريطانيا وإيطاليا، ومسؤولو الاتحاد الأوروبي المدنيون والعسكريون، تباعا على عاصمة الكيان الصهيوني لتأكيد الدعم والإسناد بكل الوسائل، والشد على عضد الكيان المحتل وجيشه المنهار، من أجل الإجهاز على المقاومة الفلسطينية. لكن سرعان ما استفاق هؤلاء واكتشفوا الفخ الذي وقعوا فيه، وجسامة الخسارة التي مُنوا بها بسفرتهم غير الموفقة إلى فلسطين المحتلة، حيث أقاموا الحجة على أنفسهم وأنظمة حكمهم، وأوقعوا دبلوماسياتهم في مأزق يصعب الخروج منه، بل يستحيل، بعدما افتضحت أمورهم وسقطت ورقة التوت عن عوراتهم أمام أحرار العالم، بأنهم يدعمون كيانا إرهابيا لا يعترف بالشرعية الدولية ولا بمواثيق الأمم المتحدة، ولا بشرائع الأديان والقوانين التي تسير بها المجتمعات في شرق المعمورة وغربها وشمالها وجنوبها.
وانكشف هؤلاء أيضا مرة أخرى أمام شعوبهم الذين أدركوا بما لا يدع مجالا للشك بأن حكوماتهم وساساتهم واقعون في فخاخ الحركة الصهيونية والماسونية العالمية التي تتحكم بهم وبمقدرات بلدانهم، على حساب مبادئ أسست لابتزاز واستغلال الشعوب الأخرى باسم التنوير والديمقراطية ونشر الحرية في العالم!
ولما انقلب السحر على الساحر، دوّت صافرات الإنذار في تلك الدول الداعمة للظلم والاستبداد والاستعباد، ولكن هذه المرة ليس بسبب صواريخ المقاومة الفلسطينية التي كانت تضرب المستوطنات والمدن الفلسطينية المحتلة وتدك قواعد وثكنات الكيان المحتل، ولكن بسبب الوعي المتفجر في أوساط المجتمعات الأوروبية وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وشكلت صور المسيرات والمظاهرات الداعمة لفلسطين في أمريكا الجنوبية وفي إفريقيا وفي أوروبا، وفي آسيا، وخروج النخب الغربية عن صمتها دفاعا عن الحق في الحياة للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة والضفة، وعبرهما الشعوب العربية قاطبة، التي استعادت الثقة في النفس وصارت محل استرضاء من طرف الغرب الأوروبي الذي ذاق تبعات الغضب العربي، فسارعوا إلى البحث عن مخرج من المأزق عبر مباركتهم لهدنة إنسانية ستتحول تدريجيا إلى وقف لإطلاق النار، ومفاوضات وترتيبات نتمنى أن تصب في اتجاه دعم الحق الفلسطيني في الدفاع عن النفس، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
لقد نجحت المقاومة في تصدير ثورتها ضد الكيان المحتل، وأصبحت هذه الثورة بين أحضان شعوب المعمورة، وهنا مكمن الخطر الذي تفكر حكومات الغرب في التصدي له بوسائل ناعمة، عبر إسكات أبواق الدعاية الصهيونية لديها، وشل حركة أذنابها وأذرعها في المنطقة الشرق أوسطية، خاصة بعدما اشتعل فتيل الدعم المسلح للمقاومة في غزة والضفة في شمال فلسطين وجنوب الجزيرة العربية، بواسطة "حزب الله" في جنوب لبنان وجماعة "الحوثي" في اليمن، وتطورات ذلك.
سيفكر الغرب ووكيلهم الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط في الطرق الجديدة للمواجهة، وفي روايات جديدة وحملات تشويه وأكاذيب لتبرير مجازرهم القادمة ضد العرب والمسلمين.
سيفكر الغرب، بعد الخيبة التي أصابته، في مداراة خطيئته أمام الإنسانية وأحرار العالم الشرفاء الذين وقفوا إلى جانب الحق الفلسطيني، مدافعين عن غزة وفصائل مقاومتها الباسلة، التي أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية دون مفاوضات أو اتفاقيات لم تنفّذ أبدا، وحشدت لها الدعم العالمي الذي لم تنجح الأرمادة الإعلامية الصهيونية والغربية في حشده لصالح أوكرانيا التي سقطت من أولويات الولايات المتحدة وأوروبا المرتبكة الفاقدة للقرار، ليكتشف الأوكرانيون أنهم هم أيضا وكلاء في حرب الغرب ضد روسيا والصين ليس إلا.