38serv
وضع زعيم اليسار الفرنسي، جون لوك ميلونشون، المذيعة بقناة "أل سي إي" روث ألكرياف عند حدها، بتغريدة لاقت تفاعلا واسعا على مواقع التواصل، وذلك بعد محاولة هذه الصحفية تحريف تصريحاته بطريقة مفضوحة. وانطلقت عقب ذلك، حملة شرسة في الهجوم على ميلونشون والتباكي على هذه الصحفية بادعاء المظلومية والإحالة إلى أصولها اليهودية.
في مشهد كلاسيكي في الإعلام الفرنسي، كلما يتعلق الأمر بالعدوان الإسرائيلي على غزة، تحول سجال عادي بين رجل سياسي وصحفية إلى ضجة إعلامية تحاول بشتى الطرق تشتيت أذهان الرأي العام الفرنسي إلى قضايا هامشية.
القصة هذه المرة كانت بتصريحات لجون لوك ميلونشون، مؤسس حزب فرنسا الأبية، الذي قال أنه يرى في استئناف القصف الإسرائيلي على غزة بعد الهدنة تعبيرا عن إرادة في إيقاع إبادة جماعية.
التقطت الصحفية روث ألكرياف هذا الكلام، وحاولت بحماسة زائدة في برنامج على قناة "أل سي إي" إحراج القيادي في حزب فرنسا الأبية "مانويل بومبارد" من خلال إطلاق أحكام ووصف تصريحات ميلونشون بالخطيرة، فردّ عليها القيادي بكل برودة أعصاب أن ميلونشون تحدث عن مؤشرات إبادة جماعية وليس إبادة جماعية.
وعاد ميلونشون المعروف عنه بأنه لا يبلع لسانه في مثل هذه المواقف، بتغريدة أخرى سخر فيها من المذيعة بالقول: "روث ألكرياف. متلاعبة. إذا لم نسئ للمسلمين، هذه المتعصبة تحتج". بيد أن هذه الكلمات البسيطة، والتي تلامس كثيرا من الحقائق، كان لها وقع جنوني في فرنسا، فثارت ثائرة أغلب المذيعين النجوم مثل باسكال برو ولورانس فيراري وغيرهما، مساندة لزميلتهم التي وقعت، حسبهم، ضحية للعنف، وذهب البعض منهم إلى حد اتهام ميلونشون بمعاداة السامية فقط لأنه "أدّب" صحفية من أصول يهودية.
ووصل الأمر لحد تدخل وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان الذي أعلن توفير الحماية الأمنية للصحفية، لأنها صارت في نظره مهددة بعد تصريحات ميلونشون، ناهيك عن مواقف أخرى لا تحصى من اليمين الفرنسي الذي أخرج تماما ميلونشون من الدائرة "الجمهورية".
وتُجلي هذه الحادثة بوضوح ازدواجية المعايير السائدة حاليا في الإعلام الفرنسي الثقيل، إذا ما قورنت بما وقع للصحفي والمذيع من أصول جزائرية، محمد قاسي، على قناة "تي في 5 موند".
فالصحفيون الفرنسيون النجوم اختفوا تماما من المشهد وسحبوا من قاموسهم كلمة "التضامن"، لأن الطرف الذي واجهه الصحفي هذه المرة ليس ميلونشون الذي يسهل "افتراسه"، بل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الذي من منظورهم "الاحترافي جدا" يجب "حمايته ومجاملته بأسئلة عاطفية !".
وهكذا أصبح محمد قاسي، وهو مقدم برنامج "64" الشهير على القناة، مغضوبا عليه فقط لأنه وجّه سؤالا للمتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي حول "ما إذا كانت الاستراتيجية المتبعة من قبل قواته في استهداف المدنيين واقتحام مجمع الشفاء، تشبه في النهاية تلك التي تقوم بها حركة حماس"، بعد أن حاول ذات المتحدث إلصاق مسؤولية استهداف المدنيين بحركة المقاومة ووضع ما تقوم به في خانة الإرهاب.
ولم تكشف هذه الحادثة سرا، فأغلب الصحفيين المحاورين الذين يملأون شاشات القنوات وأثير الإذاعات الفرنسية، والمعروفين بشراستهم في مواجهة الشخصيات التي يستضيفونها، تحولوا بعد العدوان على غزة إلى "حمائم" عند استضافتهم من يدافعون عن وجهة النظر الإسرائيلية، في تنكر تام لتقاليدهم الصحفية ومعايير الرأي والرأي الآخر، التي تفرض وجود ضيوف يدافعون عن الشعب الفلسطيني.