خطة إغراق الأنفاق دليل على غرق الاحتلال

38serv

+ -

يكشف مقترح إغراق الأنفاق بمياه البحر الأبيض المتوسط، المُفصح عنه قبل أيام في تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال "، الورطة الكبيرة التي وجد الاحتلال نفسه فيها منذ أن شنّ حربه على قطاع غرة في أعقاب معركة طوفان الأقصى يوم السابع من شهر أكتوبر الماضي، حيث توضّح خطة إغراق شبكة أنفاق حماس بالمياه المالحة، حالة الغرق التي يواجهها الكيان الصهيوني في الدماء الطاهرة لآلاف الشهداء من المدنيين الأبرياء، بعد أن عجز بعد انقضاء 67 يوما كاملا من عُمر حربه على قطاع غزة، عن تسويق صورة نصر واحدة للرأي العام الإسرائيلي، وتحقيق أي هدف ضمن أهدافه المسطرة في أجندة عدوانه النازي.

 وبغض النظر عن مدى إمكانية تجسيد هذه الخطة الجهنمية التي علّق عليها رئيس أركان الجيش الصهيوني " هرتسي هاليفي "، بأنها فكرة جيدة، تم إبلاغ مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية بتفاصيلها الشهر الماضي من قبل حكومة نتنياهو، فإن المقترح في حد ذاته يُظهر مدى الصُداع الكبير الذي باتت تشكّله هذه الأنفاق اللّغز، التي تحوّلت على مدار سنوات قليلة من حفرها وهندستها بآليات محدودة وبسيطة، وفي ظل حصار مطبق وشامل، إلى سلاح استراتيجي فتاك في يد المقاومة، تستعين به اليوم من أجل ترجيح كفة حرب غير متكافئة، وتكبيد الاحتلال خسائر غير مسبوقة.

ولم يتضح لحد الآن، ما إن كان مخطط إغراق الأنفاق الذي اهتدت إليه إدارة مجلس الحرب الإسرائيلي للتخلّص من المقاومين، بعد تأكد استحالة ذلك بالالتحام المباشر، والقتال البري وحتى القصف الجوي، سيتم اللجوء إليه فعليا، أم هو مجرد تكتيك في إطار الحرب النفسية الجارية بين الطرفين. ولكن الظاهر هو أن هناك مسعى يهدف لاستغلال "قنابل" البحر المتوسط كسلاح لنسف الأنفاق، والشاهد على ذلك، التسويق الذي قامت به إسرائيل مؤخرا لإمكانية اللجوء إلى هذه الخطة، بغرض إرغام المجاهدين على مبارحة أنفاقهم التي يرابطون فيها ويعرفون أدق تفاصيلها، حيث كشف ذات التقرير الذي نشرته الصحيفة المذكورة، بأن جيش الاحتلال قام قبل أسابيع بتثبيت خمس مضخات مياه عملاقة بالقرب من مخيم الشاطئ للاجئين في محور مدينة غزة، بإمكانها ضخ آلاف الأمتار المكعبة من مياه البحر المتوسط، وضخها في الأنفاق لإغراقها في ظرف أسابيع قليلة.   

 

" قنابل البحر".. قرار إعدام للأسرى قبل المقاومة 

     

ويواجه تحقيق هذا المسعى المروّج لتنفيذه في حال استنزاف كل البدائل الأخرى، معوقات عملية كبيرة ومتعددة، تسير به نحو الفشل الذريع حسب العديد من المختصين، الأمر الذي من شأنه تشكيل خيبة إضافية تضاف إلى سجل الخيبات المتتالية التي مُنيت بها حكومة الاحتلال منذ اندلاع حربها المسعورة على قطاع غزة. ولعلّ أولى هذه العقبات، مصدرها من الداخل الإسرائيلي، في ظل الرفض القاطع، والمعارضة المستميتة لأهالي الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس، لتنفيذ هكذا فكرة " مجنونة "، من شأنها التضحية بأرواح أبناءهم، والمغامرة بحياة ذويهم، بحجة القضاء على المقاومة وضمان أمن الإسرائيليين، خاصة وأنهم يخوضون احتجاجات لم تنقطع ضد الحكومة الإسرائيلية، لحث الجيش على الحفاظ على مصير أقرباءهم المهددين بالقصف الهمجي المتواصل،.باعتبار أن المضي في مسعى إغراق الأنفاق سيعد بمثابة حكم نافذ بالإعدام على الإسرائيليين المأسورين.

وحتى من الناحية العملية، فإن اللجوء إلى خيار إغراق الأنفاق، يصطدم بعقبات أخرى قد تُفرغه من محتواه، وتجعله عديم الجدوى أساسا، خاصة وأن من يريد تنفيذ هذا المخطط ( أي جيش الاحتلال )، يجهل أصلا هندسة وتصاميم شبكات الأنفاق الممتدة على مسافة 500 كيلومتر تحت الأرض، ولا يعرف تفرعاتها ولا أماكن تواجدها، بدليل عجزه عن استرجاع أي رهينة لحد اليوم، بالرغم من المحاولات الحثيثة التي قام بها، عن طريق الاستعانة بعتاد ومعدات استطلاع تعمل بتكنولوجيات جد حديثة.   

كما أن الطابع الجيولوجي للقطاع، والذي يميز غزة بأراضي أغلبها ذات طبيعة ترابية رملية، يحول دون نجاح خطة تستعين بمياه البحر المتدفقة بقوة ضغط هائلة لغمر الأنفاق حسب المختصين، باعتبار أن ذلك سيسمح بتغلغل المياه بكميات كبيرة إلى باطن الأرض بدل هدف إغراق الأنفاق، ومن ثمة احتمالية تلويث المياه الجوفية الشحيحة والنادرة في المنطقة، ما سيؤدي إلى تأثيرات بالغة على الصحة العمومية التي تعاني من كارثة حقيقية، والمساهمة في تفاقم الأزمة الإنسانية المتفاقمة أصلا، لدرجة تؤشر إلى انهيار كامل في حال عدم تحرك المجتمع الدولي.

وأظهرت هذه الحرب التي تدور رحاها في قطاع غزة، وتهدد تداعياتها وتطوراتها السلم والأمن في كامل المنطقة، مدى العبقرية الكبيرة التي يتميز بها كوادر حركة حماس، والتي استظهروها بتعزيز المقاومة بسلاح أعدته سواعد أبناءها على مدار عقود من الزمن، جسّدوه في شكل أنفاق متشعبة تصل إلى مجموع 1300 نفق، وبطول يتجاوز الـ 500 كيلومتر، وعمق يصل إلى حدود 70 متر في عمق الأرض، لتتحول اليوم إلى كابوس حقيقي، احتار فيه العدو، رغم كل المعدات المتطورة التي يملكها جيشه، ووفّرها له حلفاؤه دون تأخير أو مماطلة.

 

الحصار.. شرً أنتج سلاحا دوّخ إسرائيل

 

ولم تكن تعرف إسرائيل بأنه بقرار حصارها اللا إنساني على شعب غزة، ستساهم في دق أول مسمار في نعشها، خلافا لغريمتها حماس التي يؤمن أنصارها إيمانا جازما بأن ما قد يُحسب شر، قد يجعل الله فيه خيرا كثيرا، وأن المنع قد يتحول إلى عطاء، وبأن الحصار المطبق عن طريق بناء جدار عازل استهلك ملايين الدولارات، سيصبح انفراجة لتعديل الموازين وتغيير المفاهيم، من خلال بناء غزة السفلى، أو ما يعرف بمترو حماس.

وقد بدأت قصة الأنفاق في تسعينيات القرن الماضي، من خلال بناء أنفاق صغيرة تعرف باسم الأنفاق التجارية، كانت تخصص لتهريب بعض السلع والمواد الغذائية من مصر، للاستعانة على ظروف العيش الصعبة، ليتطور الأمر بشكل لافت ونوعي، بعد سيطرت حماس على القطاع، وانسحاب إسرائيل منه، وفرض حصار شديد على السكان. فبدأت تظهر شبكة منظمة وموزّعة بإحكام، ومبنية بالخرسانة والحديد لتفادي انهيارها، فضلا عن تدعيمها بكل المستلزمات الضرورية للحياة من تيار كهربائي، وتهوية، ومستلزمات العلاج، والدواء، والزاد، وغيرها من الأمور الأخرى.

وساهم الحصار المشدّد، وزيادة الرقابة الجوية التي فرضها جيش الاحتلال بعد ذلك عن طريق الطائرات المسيرة، وآليات التجسّس، في إحداث طفرة في بناء الأنفاق، جنحت إليها حماس وذراعها المسلح " كتائب القسّام "، لتحصين المقاومة وتنظيم عملها، فظهرت أنفاق الهجوم التي يستعين بها المقاتلين لاختراق الحدود مع الأراضي المحتلة وتنفيذ هجمات خلف خطوط العدو، داخل العمق الإسرائيلي، بالإضافة إلى أنفاق الدفاع التي يتم استعمالها حاليا من قبل المجاهدين للالتحام مع أفراد جيش الاحتلال من المسافة صفر، وتنفيذ الكمائن والعودة مجددا للتنقل داخل الأنفاق تجنبا للغارات الجوية، ناهيك عن الأنفاق الاستراتيجية التي تخصص كمراكز لإدارة المعارك، وتخزين الأسلحة والذخائر، والمعدات العسكرية المختلفة، فضلا عن الاحتفاظ بالأسرى إلى حين الرضوخ إلى شروط المقاومة والجلوس على طاولة المفاوضات.