38serv
صنعت الحماية المدنية ظهورا قويا عام 2023، نظير المجهودات المبذولة في عمليات التدخل الخاصة في زلزال جنوب تركيا وسوريا وفيضانات درنة بليبيا، حيث أثارت مشاهد تحبس الأنفاس لتدخلاتها بالمناطق المتضررة، تفاعلا واسعا على مواقع التواصل وإحساسا بالفخر لدى الجزائريين الذين أشادوا بروح التضحية والفداء التي تسكن ملائكة الأرض الذين يخاطرون بأنفسهم لإنقاذ غيرهم.
تميّزت فرق الحماية المدنية سنة 2023 لمشاركتها في عمليات البحث والإنقاذ بمناطق الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 فيفري 2023، وبلغت قوته 7.7 درجات، ما خلّف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين، حيث نالت المرتبة الأولى بين فرق الإنقاذ الدولية المشاركة في عمليات الإنقاذ، وذلك من حيث عدد الأشخاص الذين تم العثور عليهم، حسب منصة دولية متخصصة في متابعة عملية الإنقاذ.
"تعال يا ابني يا حبيبي"
ولعل من بين المواقف المؤثرة التي رصدتها الكاميرات لعمليات الإنقاذ وتناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لحظة إخراج المنقذ "فارس" طفلاً من تحت الركام، وهو يخاطبه بلغة عطوفة ويحاول طمأنته قائلا: "تعال يا ابني يا حبيبي"، إلى أن نجح في الوصول إليه.
وفي مشهد آخر، ظهر أب تركي وهو يشكر العناصر الجزائرية بتأثر كبير بعد أن نجحوا في إنقاذ ابنه حيا، بعد أن فقد الأمل في العثور عليه.
كما أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ "شكرا أبطال الحماية"، وتحوّل في فترة وجيزة إلى الوسم الأكثر تداولا بين الجزائريين، للإشادة بالمجهودات الكبيرة التي بذلها أفراد الإغاثة الجزائرية في كل من سوريا وتركيا.
وفي إطار عمليات الإغاثة والتضامن الدولي التي تدخل ضمن التقاليد الراسخة للدولة الجزائرية، لا سيما في مجابهة ومواجهة الكوارث الطبيعية، تجسّدت احترافية فرق الإنقاذ أيضا في عمليات البحث، إثر الفيضانات التي ضربت مدينة درنة الليبية في سبتمبر الفارط، وانتشالها لـ 344 ضحية متوفّية منذ بداية عملية البحث.
ونظير العمل الاحترافي الذي قدّمه ملائكة الأرض في تركيا وسوريا، كرّمهم رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي منحهم وسام الاستحقاق الوطني بدرجة "عشير". كما تم تقليدهم من قبل السلطات الليبية بأوسمة ومنحهم وساما شرفيا لمدينة درنة.
وقد حظي فريق الحماية المدنية، بإشادة دولية واسعة بعد نجاح أعضائه بإنقاذ أطفال ونساء وانتشال عشرات الجثث من تحت الأنقاض. ووصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، رجال الإنقاذ الجزائريين بأبطال مدينة أديامان التركية نتيجة التدخلات التي قاموا بها في المنطقة، بعدما نجحوا في إخراج طفلين من تحت حطام مبنى يقع في شارع تحوّل إلى أطلال.
الرائد برناوي: "نسعى أن نكون دائما في الطليعة"
وفي قراءته لمجهودات فرق إنقاذ الحماية المدنية لسنة 2023، واحترافيتهم العالية وإنسانيتهم الكبيرة، قال الرائد نسيم برناوي، نائب مدير مكلف بالإحصاء والإعلام بمديرية الحماية المدنية في تصريح لـ"الخبر"، إن لدى الحماية المدنية سجل دولي حافل في عمليات الإغاثة من الكوارث الطبيعية عبر عدة دول بالعالم يعود لسنوات الثمانينات، لاسيما زلزال سلفادور1986، أرمينيا 1988، مصر 1992، تركيا في أوت وسبتمبر1999، إيران 2003 والمغرب في فيفري 2004 و2005 والنيبال في 2017 وزلزال سوريا وتركيا مؤخرا وفيضانات درنة الليبية مؤخرا.
كما كان لأعوان الحماية المدنية، تدخلات أخرى في حرائق الغابات بفرنسا في أوت 2003 وفيضانات السودان سبتمبر1987 وانفجارات نيجيريا في 2002 وانفجارات في مرآب ببيروت في لبنان، دون أن ننسى الخبرة التي اكتسبتها لما حل بالبلاد من كوارث، كفيضانات باب الوادي 2001 وزلزال بومرداس2003.
ولفت الرائد برناوي إلى أن ما حققته فرق الإنقاذ، هو ثمرة استثمار قطاع الحماية المدنية في عدة مجالات، لا سيما في الموارد البشرية، وذلك بدمج الخبرة مع تكوين عالي المستوى لمختلف التخصصات الجامعية، مما سمح بإعادة هيكلة المجموعة الجوية للحماية المدنية وتطوير فرق الغطس والسينوتقنية وفرق الدعم والتدخل الأولي الخاصة بالكوارث.
كل ذلك سمح، يضيف محدثنا، بوضع قاعدة صلبة للتخصصات والتدخلات، مع التحكم الكبير في التقنيات، كما تم الاستثمار في العنصر البشري، من خلال تكوين عالي المستوى، مع خبرات أجنبية ووضع مخططات تكوينية في إطار التكوين القاعدي والرسكلة.
وأفاد الرائد برناوي، أن الشعب الجزائري اكتشف قوة الحماية المدنية، من خلال مشاركته في عملية الإنقاذ بتركيا وسوريا بدعم من السلطات العليا للبلاد وبفضل تسليط الإعلام المحلي والدولي الضوء عليه، فضلا عن مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن الاحترافية واللمسة الجزائرية لفريق الإنقاذ أصبح مطلب العام والخاص في المناطق المتضررة من الزلزال والفيضانات.
ونوّه برناوي بالالتفاتة الاستثنائية والتاريخية لرئيس الجمهورية الذي كرّم فريق الحماية المدنية وعلى رأسه المدير العام العقيد بوعلام بوغلاف بوسام الاستحقاق الوطني من درجة "عشير"، وهذا ما زاد، يقول ممثل الحماية، من أن يكون ملائكة الأرض دائما في الطليعة ويواصلوا على الجاهزية والاحترافية، باعتبار أن عمل الإنقاذ عمل تضامني لنداء الإنسانية الذي كانت الجزائر دائما سباقة للاستجابة له.