جزائريون يستسلمون لمحتالين طمعا في الشفاء

38serv

+ -

 عندما يعاني الإنسان من داء عضوي أو نفسي يلازمه ولا يجد له علاجا  يطفئ نار الألم، رغم طرقه لجميع الأبواب واتباعه لمختلف السبل المتاحة لتقليل الضرر، يتشبث بأي خيط للأمل يجده أمامه لحل مشكلته حتى وإن كان غير منطقي، وهو ما يفسر الإقبال على بعض المراكز  المختصة التي تدعي علاج مختلف الأمراض تحت مسمى "العلاج الطبيعي"، لكنها لا تعدو أن تكون متاجرة بآلام المريض ونهبا لأمواله.

 للغوص أكثر في هذه الظاهرة، قادتنا رحلة البحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى أحد مراكز العلاج الطبيعي في براقي بالعاصمة، فقررنا أخذ موعد وعيش هذه التجربة.

وصلنا إلى وجهتنا، الساعة كانت تشير إلى 13 سا زوالا، وجدنا أمام العمارة لائحة مدونة عليها "علاج الأمراض المستعصية كالعقم والتوحد ..." . بعد الاستئذان ولجنا المركز والذي هو عبارة عن شقة متواضعة تحتوي على ثلاثة غرف، استقبلتنا إحدى العاملات، وأدخلتنا غرفة الانتظار، وجدنا سريرين متقابلين والكثير من القوائم المدونة عليها مختلف الأمراض التي تقوم صاحبة المكان بعلاجها منها الروماتيزم، الصدفية، العقم، الصرع، السكري، التوحد .. وحتى السرطان، بالإضافة إلى صور لأشعة قبل وبعد لحالات تم علاجها.

 

 

"التجارة بآلام الناس"

 

تعجبنا من "القدرات الخارقة" التي تدعي صاحبة المكان "الحاجة"، كما يدعوها الجميع، بأنها تعالجها. ونحن بصدد الانتظار قابلنا فتاة جاءت رفقة والدتها التي كانت تبدو عليها ملامح التعب.

سألناها عن سبب قدومها إلى المركز وأخبرتنا أنها تعاني من آلام حادة في الرأس، ولا تجد راحتها سوى عندما تأتي إلى الحاجة، وهذه المرة الثالثة التي تزورها فيه.

 

كما صادفنا فتاة عشرينية أتت بمفردها، تقربنا منها لنعرف تفاصيل قصتها، ولم تمانع من تبادل أطراف الحديث معنا، تقول بلهجة من التعب: "أنا فتاة جامعية أقيم بمنطقة الحراش، وهذه المرة الحادية عشر التي أزور فيها الحاجة، وبإذن الله ثم بركتها شفيت من الحسد والعين التي كنت أعاني منها منذ سنوات، وعطلت جميع أمور حياتي بما فيها دراستي التي لم استطع إكمالها، وكذلك صحتي التي كانت في تراجع يوما بعد يوم، والآن قررت أن أواصل علاجي الذي بفضله تمكنت من تجاوز الفترة الصعبة التي مررت بها.

 "إن هذا المركز ليس هو الأول الذي قصدته، بل توجهت من قبله العديد من المعاهد المختصة في الحجامة والتداوي بالأعشاب، وكان آخرها  أحد المراكز بباب الوادي، أين تم تشخيص حالتي بإصابتي بالحسد والعين "، تضيف الفتاة. إلا أنه، حسب تصريحها، فإنها لم تستفد من العلاج كما هو الحال بهذا المركز، مؤكدة أن لهذه العجوز طاقة خارقة تمكنها من علاج  جميع الأمراض حتى الروحية منها.

 انتظرنا بعض الوقت، شد انتباهنا حركة غريبة داخل الشقة التي كانت تصعد منها روائح تحضير الطعام، وتبين لنا فيما بعد أن بعض السيدات العاملات بهذا المكان يقمن بتحضيره من أجل تقديمه للزبائن كنوع من البركة أو الصدقة، الأمر الذي أثار استغرابنا.

 جاء دورنا لدخول غرفة العلاج، التي كان يتوسطها مكتب وكرسي للاستلقاء جانبا، وحوالي 100 قارورة للمياه من مختلف الأحجام متراصة وسط الغرفة، كل واحدة عليها  قصاصة مدون عليها نوع العلاج.

وجدنا سيدة طاعنة في السن، كانت تبدو على ملامحها البشاشة، رحبت بنا واستقبلتنا بكلمات طيبة، لتسألنا فيما بعد عن سبب الزيارة، حيث أخبرتها مرافقتنا أنها تعاني من هشاشة العظام وداء السكري.

طلبت منها الحاجة الاستلقاء على الكرسي ووضعت يدها على بطنها لتبدأ في تلاوة بعض الآيات القرآنية (المعوذتين والفاتحة)، ولم تستغرق العملية سوى بعض اللحظات، لتخبرنا  بأنها انتهت، وسيتم العلاج بإذن الله، وما على المريضة سوى العودة المرة القادمة لمواصلة الجلسات القادمة، سألناها عن طريقة العلاج وأخبرتنا أنها مباركة وبأنها قامت بعلاج العديد من المرضى من قبل.

 

وفي الختام، قدمت مساعدة الحاجة إلى الزبونة حوالي 5 قارورات من الماء ونبتة لنقعها في الماء، بالإضافة إلى قارورة صغيرة من زيت الزيتون، وذلك بعد ملئها للوصفة، لتطالبها في الأخير بدفع 4600 دج مقابل الجلسة والخلطات. وانتهت الزيارة بإعطائنا حبيبات من التمر وقطع من الكسرة التي أعدتها النسوة لزبائن كنوع من أنواع الصدقة.

 تركنا المكان ونحن متأكدين بأننا تعرضنا لاحتيال "مشروع" من طرف هؤلاء، ولإشباع فضولنا أكثر عن ما يحدث من تجاوزات من طرف "التجار المتلاعبين بآلام الناس".

تواصلنا مع بعض من تعرضوا إلى الغش، يقول محمد "بعدما رأيت جدتي تعاني من الروماتيزم المزمن الذي لم نجد له حلا، حاولت معالجتها بطريقة طبيعية لعلها تخفف ولو القليل من آلامها.

وعند تصحفي لمواقع التواصل الاجتماعي، لفت انتباهي معهد لتداوي بالتدليك الحراري ''بحجرة الجاد''، وعند قيامي بالبحث عن فوائد هذا الحجر الكريم، وجدت أن له فوائد صحية عديدة كالمساعدة في تصحيح اعوجاج العمود الفقري، آلام الظهر والرقبة، علاج الصداع النصفي، حالات الربو، بعض حالات شلل الأطفال، تنشيط الدورة الدموية، داء السكري، ضغط الدم، آلام المفاصل، الروماتيزم، أوجاع الركبة، تدفق الأكسجين والغذاء وطرد السموم .

كما تبين لي من خلال البحث أن هذا التدليك  يفيد في تنشيط الجهاز العصبي، التخلص من الخمول والكسل، ودوار الرأس، وإزالة التوتر والشد العضلي، بالإضافة إلى الاسترخاء الذهني والجسدي، يقول المتحدث.

 وتابع "وبعد تفكير مستمر، قررت خوض التجربة، حيث اتصلت بالمركز لأخذ موعد، وتوجهت إلى بلدية في ضواحي العاصمة، انتهى بي المطاف أمام مكان معزول به سكة حديدية ومن أمامه وادي.

وقتها اعتقدت أنني تهت، عاودت الاتصال بالمعهد وأخبرتني صاحبته باستكمال الطريق، ولما وصلت وجدت نفسي في منطقة معزولة والمعهد عبارة عن بيت.

يضيف محمد "ولجنا المكان، أدخلت جدتي إلى غرفة التدليك، استغرقت العملية بعض الدقائق، إلا أن النتيجة للأسف كانت كارثية حيث عانت الجدة من أوجاع مزمنة لازمتها الفراش لأكثر من أسبوع."