ضابط منشق يكشف الأسباب الحقيقية وراء احتلال الصحراء الغربية

38serv

+ -

"في أحد الأيام فرضت علينا إدارة المدرسة المكوث في أقسامنا دون معرفة السبب، لننصدم فيما بعد عند خروجنا للالتحاق بمنازلنا برؤية مئات الجثث المتناثرة على طول الشارع، كان عددها كبير جدا"... "أسكت يا ولدي فإن الحائط لديه آذان"، عبارة منقوشة في ذهن كل مغربي إلى الآن...".

كانت هذه المقاطع، جزء من شهادة الضابط المغربي المنشق عن القوات المسلحة المغربية، صاليحي بوشعيب، كشف فيها عن حقائق جديدة تعري النظام المخزني والأسباب الحقيقية التي دفعت به لاحتلال الصحراء الغربية، لا سيما تشتيت انتباه الجيش تفاديا لانقلاب قادته عليه وكتم الانتهاكات الجسيمة التي كانت ترتكب في حق الشعب المغربي الذي كان أمامه أمرين أحلاهما مر، إما الاعتقال أو الاغتيال.

للإشارة، فقد انشق العشرات من الضباط والجنود المغاربة، التابعين لثكنة عسكرية في مدينة الرباط، عن صفوف "القوات المسلحة الملكية"، وأعلنوا التحاقهم بما يسمى "الريف المغربي"، فيما اختار آخرون الفرار على متن زوارق "حراڤة" نحو إسبانيا، ما استدعى إطلاق الجيش المغربي "حالة طوارئ" قصوى، أوقف خلالها كبار المسؤولين العسكريين على الثكنة وأحالهم على القضاء العسكري. هذا الأمر جعل "القوات المسلحة الملكية" تعيش حالة عصيان وتصدّع غير مسبوقة في تاريخها في الأشهر الأخيرة من هذه السنة، مما أفقد المؤسسة العسكرية تماسكها وانسجامها، حيث وصل عدد المنشقين، في هذه المرة فقط، 138 عسكريا، بينهم ضباط سامون، أعلنوا المجاهرة بمعارضة نظام المخزن والملك محمد السادس.

 

شهادة ثانية تحت عنوان "لا لضريبة الذلّ والاستعباد"

 

وحسب ما أوردته وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، فإن هذه الشهادة لصاليحي بوشعيب، تعتبر الثانية وتضمّنها فيديو، وجاءت تحت عنوان "لا لضريبة الذلّ والاستعباد"، للضابط المغربي الذي انشق عن صفوف الجيش سنة 2000 بسبب، كما قال، "مسلسل تطبيع المغرب وخيانته للقضية الفلسطينية". وقد قرر صاليحي بوشعيب، هدم جدار الصمت وتحدى طغيان المخزن وخاطب الأحرار لتقديم بعض الوقائع التي طبعت الفترة التي سبقت التحاقه بالجيش المغربي، خاصة دراسته بالابتدائي إلى غاية حصوله على شهادة البكالوريا، والتي تركت آثارا لا زالت حية جاثمة في ذهنه وتعيش معه إلى الآن. وكانت هذه الفترة (ستينات إلى غاية سبعينات القرن الماضي) تعرف في المغرب بـ "سنوات الجمر والرصاص"، لخّص خلالها الضابط أهم الأحداث السياسية والأمنية التي عرفها البلد والتي كانت السبب في إحداث تغييرات سياسية وعسكرية في المملكة لاحقا. واستهل الضابط حديثه بالتحاقه بالمدرسة الابتدائية خلال السنة الدراسية 1964-1965 ، وتزامن ذلك مع إضراب مارس 1965 الشهير، وهي الواقعة، مثلما قال ضمن شهادته في هذا الفيديو الثاني له، التي ترفض أن تغادر مخيلته رغم صغر سنه آنذاك.

 

"لقد تعلمنا أن لا نتحدث مع أي أحد ولو لأقرب الناس عن ما يحدث في الخارج" بسبب "القمع"

 

وروى صاليحي بوشعيب قائلا: "كنت أزاول دراستي بمدرسة قريبة من مقر الاتحاد المغربي للشغل، وفي أحد الأيام فرضت علينا إدارة المدرسة المكوث في أقسامنا، دون معرفة السبب، لننصدم فيما بعد عند خروجنا للالتحاق بمنازلنا برؤية مئات الجثث المتناثرة على طول الشارع، كان عددها كبير جدا". وأضاف الضابط المنشق أنه عندما حاول الاستفسار من عائلته عن سبب وذنب هؤلاء ليقتلوا بهذه الطريقة الشنعاء، انصدم بردة فعل والديه اللذين طلبا منه الالتزام بالصمت، فظلت عبارة "أسكت يا ولدي، فإن الحائط لديه آذان"، منقوشة في ذهن كل مغربي إلى الآن.

واسترسل الضابط المنشق يقول "لقد تعلمنا أن لا نتحدث مع أي أحد ولو لأقرب الناس لنا عن ما يحدث في الخارج، وهذا بسبب سياسة القمع التي كانت تنتهجها سلطات البلد آنذاك، لا سيما حالات الاختطاف والاعتقالات التي ميزت تلك الفترة بقوة خاصة في الحي الذي أقطنه" والذي كان يأوي الكثير من المناضلين المغاربة الأحرار.

واستشهد الضابط في هذا السياق بالعربي دهكون الذي كان لاحقا من أبرز العناصر التي شاركت في أحداث "مولاي بوعزة" سنة 1973 (مجموعة أحداث مسلحة وقعت بمنطقة خنيفرة وبالضبط بمنطقة مولاي بوعزة، كان هدفها الإطاحة بنظام الحسن الثاني) والذي أعدم من طرف الحسن الثاني صبيحة عيد الأضحى.

 

"الحسن الثاني فضّل الزجّ بالجيش في أتون حرب لا يعرف نهايتها"

 

وواصل صاليحي بوشعيب، شهادته بذكر حدثين هامين عرفهما المغرب في تلك الفترة، وكانا في نظره سببا في تغيير مجرى الحياة السياسية بالبلاد وأثّرا على الحياة العسكرية أيضا، وهما المحاولتين الفاشلتين في الانقلاب على الحسن الثاني. وقال الضابط "شكّل فشل انقلاب عبابو وانقلاب أوفقير فرصة للحسن الثاني للتلاعب بالجيش وبالشعب معا"، موضحا أنه "بسبب الانقلابيين، أوجد الحسن الثاني مشكلة الصحراء الغربية لإلهاء الجيش وتجنّب شر انقلاب قادته عليه، وهذا رغم ضعف إمكانات الجيش أو حتى انعدامها في تلك الفترة، إلا أن الحسن الثاني فضّل الزج بالجيش في أتون حرب لا يعرف نهايتها".

وفي ظل رفض ومعارضة الكثير من أحرار المغرب فكرة احتلال الصحراء الغربية، "جوبهوا برد عنيف من العاهل المغربي الذي كثّف الاعتقالات والاغتيالات، حيث لازال الكثير منهم في عداد المفقودين، ولا يعرف أهاليهم عنهم شيئا حتى الآن"، والأسوأ من ذلك، يقول الضابط المنشق، أن هناك جنود شاركوا في احتلال الصحراء الغربية "قتلوا ولا أحد يعرف قبورهم أو أين تم دفنهم".

للتذكير، فإن تمرّد الضباط المغاربة من مختلف الرتب نتيجة عدم اقتناعهم بالحرب التي تشنّها بلادهم في الصحراء الغربية، ما زاد من حالة الاحتقان ونفاد الصبر، وأدى إلى تصاعد يومي وبشكل كبير لوتيرة التمرد في صفوفهم لعدم تصديقهم واقتناعهم بما يسمى "مغربية" الصحراء الغربية.