حرب غزة تؤكد أن فلسطين مفتاح الحرب والسلام

38serv

+ -

قبل عملية طوفان الأقصى وما تلاها من عدوان كبير على قطاع غزة، دخلت القضية الفلسطينية في أدراج الدول لتصبح "لا حدث"، قبل أن تحدث الصدمة والذهول للجميع قريبا وبعيدا، وتتحول القضية الفلسطينية الى حديث العالم، شعوبا وحكومات، الأهم أن الجميع أدرك أن حل القضية الفلسطينية كقضية شعب محتل لا تقبل المسكنات والحلول المؤقتة أو خيار المراوحة، وبات العالم أمام اختبار حقيقي؛ إما إجلاء آخر احتلال في العالم، أو البقاء في دائرة الصراع والدم.

قالت صحيفة نيويورك تايمز: إن حركة حماس ما زالت تجني الفوائد من هجومها المفاجئ على إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، حيث اكتسبت مكانة بين الفلسطينيين وسممت علاقات إسرائيل بالعالم العربي وأعادت القضية الفلسطينية إلى الأجندة الغربية، في حين غدت إسرائيل عالقة في حرب لا يمكن أن تنتصر فيها.

وأوضحت الصحيفة - في تقرير بقلم بن هوبارد من إسطنبول - أن ارتفاع سقف هدف إسرائيل يشكل ميزة إضافية لحماس التي تستطيع أن تعلن النصر بمجرد بقائها على قيد الحياة للقتال في يوم آخر. وقال أحمد فؤاد الخطيب، محلل سياسات الشرق الأوسط: إن "إسرائيل ستبقى عالقة في هذه الحرب التي لا يمكن الانتصار فيها، التي ستتسبب في موت ودمار هائلين".

أحداث "طوفان الأقصى" جاءت لتزلزل هذا الركود، وتعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، وتدفعها دفعا إلى وعي أجيال جديدة، تتابع شاشات هواتفهم يتابعون ما يحدث عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأصبحت فلسطين عبر غزة حديث العالم صغارا وكبارا.

الحراك العالمي الذي نشط من اجتماعات الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن، ثم القمم العربية والإسلامية، وبغض النظر عن المخرجات، إلا أن فلسطين أصبحت أولوية لقاء جماعي أو ثنائي في العالم الذي ينتظر نتائج هذه الحرب ليتخذ كل طرف موقعا جديدا في المعادلة الإقليمية وتجلياتها في الدولية.

ولعل الاشتباك المستمر على الجبهة اللبنانية أعاد مشروع الاحتلال إلى الواجهة في لبنان وسوريا، وأبرز أطماع هذه الكيان التوسعية عبر التدمير والتهجير وتجاوز الحدود بالقصف في لبنان ودمشق، ليعود مصطلح الصراع العربي الصهيوني بدلا من مصطلحات التطبيع والسلام القائم على القفز عن حقوق الشعب الفلسطيني العربي.

والمواقف القوية التي أعلنت عنها اليمن عبر جماعة أنصار الله الحوثية في البحر الأحمر، شكلت تحديا في المواقف وطرحت مسألة الأمن الاقتصادي على طاولة البحث عبر إظهار وسائل القوة في يد العرب إذا ما أرادوا الضغط من أجل حقوقهم وقضاياهم العادلة.

دوليا، حضرت القضية الفلسطينية في خطاب الإدارة الأمريكية من أعلى الهرم إلى القادة السياسيين والعسكريين، لدرجة تراجع معها حضور قضية أوكرانيا التي اعتبرها الغرب مسألة صراع عالمي من روسيا.

القوى الأخرى من الصين إلى روسيا وبريطانيا وفرنسا، وجدت نفسها أمام سؤال كبير حول الموقف من الصراع في الشرق الأوسط ومستقبل القضية الفلسطينية ومصير الأمن والاستقرار والتنمية في منطقة هامة ومؤثرة في العالم في مجالات التجارة والطاقة والاقتصاد والأمن.

على كافة المستويات، أعاد "طوفان الأقصى" القضية إلى مركزيتها، وتصدرت المعركة من أجل التحرر من الاحتلال بكل وضوح أمام أجيال لم تعرف شيئا من قبل عن الصراع العربي الإسرائيلي، المستمر على مدار أكثر من قرن، إلا أن الوعي به كان قد تراجع مع تراجع القضية الفلسطينية، حيث مر الوعي العربي بالقضية الفلسطينية بوصفها قضية مركزية بعدة مراحل، أولها مرحلة تصاعد الفكر القومي العربي، الذي تصاعد بداية من نكبة 1948 وما تلاها من أحداث؛ من بينها العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

لكن هزيمة عام 1967 شكلت بداية الانحدار للصوت القومي، الذي خبا أكثر وأكثر، مع اتفاقية كامب ديفيد ثم اتفاقية أوسلو، حيث تراجعت القضية الفلسطينية بصورة غير مسبوقة منذ عصر النكبة.

يقول الكاتب الفلسطيني نبيل عمرو: "لقد حرّكت "الفلسطينية" العواصم من أقصى الكون إلى أقصاه، وأيقظت ملايين الضمائر النائمة، إن لم نقل الميتة، من غفوة طويلة وعميقة، إلى صحوة سيكون لها بعدها.. فـ "الفلسطينية" لم تعد مجرّد مأساة تستدرّ الشفقة ووجبات الإغاثة، كما لم تعد مشروع إبادة شعب وتصفية حقوق، وتزوير هويّة لمجرّد وجود طائرات ودبّابات بحوزة خصمه وجدار أمريكي يستند إليه هذا الخصم وبيت مال يغرف منه بلا حساب.. لقد تحوّلت "الفلسطينية" إلى جدارة بناء حاضر ومستقبل.

وتابع وزير الإعلام الفلسطيني الأسبق: يقول الدم الفلسطيني والغضب الفلسطيني والتمرّد الفلسطيني والموت الفلسطيني: "إلى هنا وكفى".

حقّاً نريد دولة لنا، تصدر هويّاتنا، وجوازات سفرنا، وتجمع شمل شتاتنا، وليجد الفلسطيني الذي شرّد في كلّ أرجاء الكون مطاراً يهبط فيه، لا مطاراً فيه تفتيش عسكري يبحث عن سبب لمنعه من الدخول.. يريد ميناءً على شاطئ البحر الفلسطيني، مكتوباً على منارته: "أهلاً بكم في غزة، العاصمة الثانية لفلسطين".

ويضيف: "يريد فضاءً خالياً من زحام الطائرات التي تلاحق حياته كي تجبره على البحث عن حياة أخرى في صحراء قريبة أو بعيدة، هذا هو أقلّ القليل ممّا يريد الفلسطيني ويحتاج ويستحق (..) الفلسطيني يطلب القليل بعدما قدّم الكثير كي يواصل الحياة.. والفلسطينيون يستحقّون أكثر ممّا يطلبون.

كلمات دلالية: