العلاقات الجزائرية الفرنسية.. هدوء حذر بعد العاصفة

38serv

+ -

عاد الهدوء إلى العلاقات الرسمية الجزائرية الفرنسية في الأشهر الأخيرة من العام 2023، بعد مرحلة من الانفعالات والتوترات في الأشهر الأولى من العام.

وفي بيان على ذلك، انعقدت في سبتمبر الماضي أعمال الدورة العاشرة للمشاورات السياسية الجزائرية الفرنسية، برئاسة الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية الجزائرية لوناس مڤرمان، مناصفة مع نظيرته الفرنسية آن ماري ديكوت، سمحت للطرفين بإجراء تقييم مرحلي استعدادا للاستحقاقات الثنائية المرتقبة، مع التركيز على الملفات ذات الأولوية في مجال التعاون الثنائي.

وفي نوفمبر، كتب الرئيس الفرنسي إلى الرئيس تبون، رسالة تهنئة بمناسبة عيد الثورة، متمنيا له وللجزائر "مزيدا من الازدهار". وأكد ماكرون أن "البلدين يتقاسمان الطموحات نفسها ضمن ديناميكية تقارب تعززت بالتوقيع على عقد الجزائر"، وقبل ذلك بأيام خاطب ماكرون تبون برسالة حملها إليه السفير الفرنسي الجديد لزيارة باريس.

وتعززت هذه الحركية مع تصريحات لمسؤولين حكوميين فرنسيين تتحدث عن متانة هذه العلاقات، منهم الوزيرة الأولى إليزابيت بورن ووزيرة الخارجية كاترين كولونا التي التقت مسؤولين جزائريين كبارا في نيويورك، على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة. واستقبلت الجزائر وزير الداخلية جيرالد دارمانان الذي قام بزيارة خاطفة، في نوفمبر الماضي، وحظي باستقبال رسمي.

وخلال جلسة التصويت على لائحة غير ملزمة للحكومة تدعو لإسقاط اتفاقية الهجرة الجزائرية الفرنسية التي وقعت قبل 55 عاما، بادر بها نواب اليمين، ألقى نواب كتلة النهضة الموالية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بثقلهم في صف الرافضين. للعلم، هذه اللائحة التي حملت نبرة شديدة العداء للجزائر، هي فصل آخر في عملية استعداء الجزائر حركتها أوساط اليمين التقليدي الذي تهيمن عليه نخبة من التيار المتصهين، وقطاع من المؤسسة الرسمية الفرنسية، ويعد السفير الفرنسي الأسبق بالجزائر غزافيي دريانكور واحدا من المتحدثين باسمها، إذ تولي السفير الفرنسي منح السند "الفكري" لدعاة إلغاء الاتفاقية، من خلال كتابه "اللغز الجزائري" وسلسلة مقالات صحفية بلغت حد التنبؤ بسقوط النظام الجزائري.

ويروج اليمين لكون اتفاقية الهجرة التي وضعت لضبط تدفق وإقامة الجزائريين على الأراضي الفرنسية، خلفا لأحكام اتفاقية إيفيان، تمنح حقوقا خاصة للرعايا الجزائريين، وأنها تشجع الهجرة، في وقت تعمل السلطات الجزائرية على استهداف المصالح الفرنسية على أراضيها، مستدلين بقضية حظر استعمال المناهج الفرنسية في المدارس الخاصة الجزائرية، وإعادة استعمال المقطع الخاص بفرنسا في النشيد الرسمي، وتفضيل الرئيس تبون الذهاب إلى روسيا بدل باريس ورفض السلطات الجزائرية استرجاع رعاياها.

ورغم فشله في تمرير اللائحة، فقد استعمل اليمين الاتفاقية في الترويج لتشديد القيود على الهجرة، وهو ما ترجم في قانون يعد الأقسى من نوعه والذي ستكون له تبعات غير مسبوقة على الرعايا الأجانب، خصوصا المهاجرين غير النظاميين.

 

علاقات متقلبة

 

ورغم الهدوء الحذر في هذه العلاقات، ومن غير أن تشهد هذه العلاقات توترات جديدة مثلما شهدته أواخر العام الماضي، وامتد إلى غاية صائفة 2023 على إثر تفجر قضية هروب الناشطة أميرة بوراوي إلى تونس ثم فرنسا، وسط اشتباه في دور فرنسي في العملية، وانتهت بتوقف الجزائر عن استقبال رعاياها الصادرة في حقهم أوامر بالطرد من التراب الفرنسي.

وساهم التناول الإعلامي الفرنسي لمشاكل داخلية جزائرية، ومنها قضية الحرائق التي شهدتها منطقة بجاية، في مزيد من التوترات، ثم جاءت حادثة اغتيال الشاب نايل في شهر جوان على يد شرطي متطرف لتعقد وضع هذه العلاقات، فأصدرت وزارة الخارجية، على غير العادة، بيانا شديد اللهجة، معبرة عن صدمتها واستيائها لقتل الشاب نائل بشكل وحشي ومأساوي".

 

علاقات اقتصادية مستقرة

 

ولم يؤثر توتر العلاقات السياسية والدبلوماسية في حجم التبادل الاقتصادي البيني، إذ استمرت التبادلات رغم القيود التي فرضتها الحكومة الجزائرية في مجال الواردات.

وبحسب إحصائيات، فإن الجزائر تحتل المرتبة الثانية في قائمة البلدان الإفريقية الشريكة لفرنسا في مجال التجارة، إذ بلغت قيمة المبادلات 8 ملايير أورو في عام 2021. وسجلت الصادرات الفرنسية إلى الجزائر انخفاضا لتبلغ قيمة 7,3 مليار أورو في عام 2021، بينما ارتفعت الواردات الفرنسية من السلع الجزائرية التي تمثل المحروقات نسبة 91 في المائة منها حسب الخارجية الفرنسية.

وكانت فرنسا تحتل في عام 2020 المرتبة الثانية في قائمة الموردين إلى الجزائر بعد الصين بنسبة واردات تبلغ 6,10 في المائة، والمرتبة الثانية في قائمة عملاء الجزائر بعد إيطاليا بنسبة صادرات جزائرية تبلغ 3,13 في المائة.

وتتصدر فرنسا قائمة المستثمرين الأجانب في الجزائر خارج قطاع المحروقات. وتوفر المؤسسات الفرنسية في الجزائر زهاء 40 ألف وظيفة مباشرة و100 ألف وظيفة غير مباشرة، في 500 منشأة مستقرة في الجزائر، وثمة قرابة ثلاثين شركة مدرجة في قائمة شركات مؤشر كاك 40 (مؤشر البورصة الفرنسية) ناشطة في السوق الجزائرية أو حاضرة فيها.

 

كلمات دلالية: