38serv
سقطت حسابات كل من ظن أنه يمكن احتواء غزة والسيطرة عليها بأقل التكاليف، وبعد 100 يوم من العدوان لم يحسن الكيان بخسائره العسكرية والاقتصادية والسياسية وتضرر صوته في العالم فحسب، بل خرج بركان الحرب من غزة ليلفظ بحممه في البحر الأحمر الذي تحوّل إلى ساحة حرب أكثر إيلاما للاقتصاد العالمي، وإلى أروقة محكمة العدل الدولية في لاهاي الهولندية التي تبعد بآلاف الكيلومترات عن مركزها.
لم يكن لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي ليعلنا مراجعة توقعاتهم حول الاقتصاد العالمي باتجاه تخفيض نسب النمو العالمي لمستويات أقل من التفاؤل السابق، بعدما شاهدا بداية ظهور الانعكاسات المتولدة عن حرب الكيان المحتل في غزة وخروجها عن السيطرة التي وعدت أمريكا وحلفائها بتوفيرها عند إعلان حكوماتها دعمها "اللامشروط" لهذه الإبادة للشعب الفلسطيني. ولأن كل فعل له رد فعل يوازيه في القوة ويعاكسه في الاتجاه، فقد اهتزت بورصات النفط العالمية بعدما رأت أن 4 ملايين برميل من النفط التي تعبر يوميا مضيق باب المندب في البحر الأحمر، لم تعد مضمونة الوصول بعد صدور تهديدات جماعة أنصار الله في اليمن. وتبعتها في ذلك شركات التأمين العالمية التي رفعت خدمات تأمينها بنسبة أسعار عالية تماشيا مع الوضعية غير الآمنة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها في التحالف البحري، شن غارات جوية ضد جماعة أنصار الله في اليمن الذين منعوا عبور بواخر إلى مواطني الكيان المحتل تضامنا مع غزة المحاصرة.
لقد توسّعت الحرب من غزة إلى البحر الأحمر الذي أضحى هو الآخر ساحة مفتوحة للصواريخ والطائرات المسيرة، وكان ذلك كافيا ليدفع أسعار النفط للارتفاع بنسبة 4 بالمائة ويتجاوز البرميل عتبة الـ 80 دولارا ومرشح لأكثر من ذلك بعد دخول فصل الشتاء بكل برودته القاسية في دول الشمال وتراجع النفط المعروض في السوق الدولية جراء الحرب المشتعلة في البحر الأحمر التي دفعت بأكبر شركات النقل البحري توقيف نشاطها أو تغيير مسار سفنها بالالتفاف آلاف الكيلومترات عبر الدوران على إفريقيا، وهو ما سيتولّد عنه زيادة في الأسعار في النقل وعند الاستهلاك. وبدأت بوادر الاحتجاجات الاجتماعية تظهر في الشوارع الأوروبية، بحيث لا يمكن جعل مظاهرات آلاف الفلاحين الذين أغلقوا الطرقات في ألمانيا منذ عدة أسابيع بمعزل عن التداعيات غير المباشرة لهذه الحرب في الشرق الأوسط، التي وصلت أيضا إلى شوارع لاهاي في هولندا بعدما فتحت محكمة العدل الدولية سجل انتهاكات حكومة الكيان المحتل ملف جريمة الإبادة الجارية في غزة في دعوى قضائية رفّتها دولة جنوب إفريقيا، وهو زلزال آخر ولّدته غزة بغض النظر عن نتيجته القانونية .
ولا أحد بإمكانه توقّع المآلات التي سينتهي إليها الوضع في البحر الأحمر بجبهاته الملتهبة والمدى التي ستصل إليه، لكن التشاؤم الذي يبديه المتعاملون الاقتصاديون يمكن قراءة فيه الكثير من الرسائل التي دفعت الأفامي إلى مراجعة توقعات النمو العالمي وجنوح الاقتصاد العالمي نحو الركود مجددا، وفي ذلك تأكيد بأنه عندما "تعطس" فلسطين كل العالم يصاب بالزكام.