38serv
منذ "طوفان الأقصى"، تبنى جيل من الشباب في الغرب إدانة الاحتلال والظلم الذي يمارسه الكيان الصهيوني على الأراضي الفلسطينية والتمييز القائم على أساس العرق والدين. وقد شجع على هذه الإدانة تغير الوعي السائد والنمطي الذي مارسته آلة الدعاية الصهيونية وحلفاؤها على ضمائر وعقول أجيال بأكملها.
فرض صمود الغزيين على العالم صياغة جديدة لمعادلة الصراع العربي الصهيوني، حيث ظهرت صحوة جيل جديد في الغرب وأمريكا لا يريد أن يرث شيئا من قناعات آبائه أو أجداده، وعوضت شرائح واسعة منه مصادر معلوماتها من وسائل الإعلام الرسمي التقليدي إلى مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، لتطوي بذلك سجل أكاذيب الإعلام الصهيوني والغربي المضلل للرأي العام.
تعاطف واسع
في السياق، يقول الدكتور رقيق عبد الله، أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الوادي، أن ما أحدث ضربة قوية للوعي الغربي المزيف، وأنتج انبعاث ضمائر جيل جديد من الغرب مساند للقضية الفلسطينية، وحقها هو المظاهرات والوقفات الاحتجاجية التي يشارك فيها نشطاء وطلاب للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني والاحتجاج على الاحتلال الإسرائيلي ومجازره، بالإضافة إلى حملات التوعية والتثقيف، من خلال ورشات العمل الشبابي المختلفة في السينما والمسرح والغناء والرسم، وكلها تهدف إلى نشر المعرفة وفهم القضية بشكل أفضل وتحفيز النقاش والتفاعل حولها.
ويضيف محدثنا لـ "الخبر" أن فلسطين تملك قضية عادلة، لأنها قضية حرية لشعب يقع تحت احتلال استيطاني انحلالي، وقد كسبت قوتها من تلك العدالة في الحق والوجود. ومع انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت المعلومات حول القضية الفلسطينية أكثر توفرًا ووصولًا لكل شعوب العالم عبر توثيق الواقع الفلسطيني، مما يعزز التفهم والتعاطف مع القضية.
وأضاف: "فتنوع الثقافات في الغرب سمح بالتعرف على القضية الفلسطينية وتاريخها وثقافتها الممتدة قبل التاريخ والميلاد، ومنه إلى تعاطف واسع للمجتمعات الغربية مع الشعب الفلسطيني، ومطالبته بالاستقلال والحرية ورفض التمييز العنصري الممارس من طرف الاحتلال الصهيوني".
وقد شاهد الغرب الذي أسس لوعيه ضمن منظومة متعددة لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، مثلما أفاد أستاذ علم الاجتماع السياسي، ازدواجية المعايير التي تمارسها حكوماته، لينتج وعي جديد بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في العالم، وتُعتبر القضية الفلسطينية جزءًا من هذه الحركة التي تعم الغرب الآن.
وإضافة إلى تلك العوامل، تعد المقاطعة أحد الأدوات المهمة في التأثير على الاحتلال، ماساهم في انبعاث جيل جديد في الغرب مساند للقضية الفلسطينية.
وللحركات التضامنية في الغرب، التي تدعم الشعب الفلسطيني، دور هام في حشد الجماهير وتغيير الوعي الزائف الذي ساد لأجيال في الغرب "أن كل منتقد للكيان الصهيوني هو ضد السامية".
ومن بين هذه الحركات الداعمة للقضية الفلسطينية، وفقا للدكتور رقيق، حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها "بي دي أس" Boycott Divestment, and Sanctions ). وهي من أهم الحركات العاملة دولياً، تقوم على عقاب المحتل ومقاطعته اقتصادياً وسياسياً، وتهدف إلى فرض ضغط اقتصادي وسياسي على الكيان الصهيوني للضغط عليه لتغيير سياساته تجاه الفلسطينيين، وتشجيع المقاطعة، وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات عليه.
كذلك تعمل جمعيات المساعدة الإنسانية مع العديد من المنظمات في الغرب على تقديم الدعم للفلسطينيين المتضررين من الاحتلال البربري، سواءً من خلال توفير المساعدات الإنسانية العاجلة أو دعم المشاريع التنموية والتعليمية في الأراضي الفلسطينية.
وكان للنشطاء والمنظمات الطلابية في الغرب وقيامها بحملات وفعاليات تضامنية مع القضية الفلسطينية، عبر المظاهرات والندوات والنشاطات المختلفة، أهمية في نشر الوعي والتأثير على السياسات المحلية والدولية
الجيل الجديد في الغرب متحرر من الخلفية التاريخية
كما أن للجانب الاقتصادي، وخاصة حملات المقاطعة والعزل الدولي للكيان الصهيوني، بناءً على دعوة حركة "بي دي أس"، دور فاعل عبر الحملات الإعلامية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي حول القضية الفلسطينية وعدالتها، والتواصل مع الجمهور وتحفيز النقاش ورقي الخطاب الإعلامي للمقاومة الفلسطينية، ما أنتج انبعاثا جديدا ووعيا فاعلا لعقل غربي، حاولت الدعاية الغربية تغييبه عبر قضايا الإنسان والحق عبر العالم.
من جانبه، يرى الدكتور عبد الحميد فرج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الوادي، أن الجيل الجديد في الغرب متحرر من الخلفية التاريخية والدينية، التي كانت لدى الأجيال الأولى خلال الفترات الاستعمارية، "فهو لا يحمل تلك الضغينة ولا الأحقاد تجاه العرب والمسلمين".
ويضيف الدكتور فرج أن العقل والمنطق لدى الأجيال الحالية يفكر بطريقة مختلفة على الأجيال السابقة، التي تؤثر عليها الخلفية التاريخية والإرث الاستعماري.
"فالشباب حاليا يفكر بعقلانية وحيادية بعيدا عن كل تلك التأثيرات، حيث أن الحرب الصهيونية فاقت كل التوقعات في الانغماس في الوحشية واللاإنسانية في حربها على الشعب الفلسطيني. فهي تمارس إبادة جماعية على مرأى ومسمع العالم، بما لم يعد هناك شك لدى أي فرد في العالم بأن هذه الأفعال التي يقوم بها الكيان الصهيوني منافية للأخلاق والإنسانية، ولا يؤيدها أو يتضامن معها إلا عديم الإنسانية".
وتوقف محدثنا عند الإعلام غير الرسمي، سيما مواقع التواصل الاجتماعي، التي ساهمت بدور كبير في نقل الصورة الحقيقية لما يجري على الأرض، ودحر الرواية الرسمية للقنوات الإعلامية والسلطات الحكومية في تلك الدول الداعمة والمؤيدة للرواية الصهيونية.
"فالكثير من الشباب الغربي يعتمد بصورة كبيرة اليوم في استسقاء معلوماته عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة، ولا يهتم بالإعلام الرسمي التقليدي".
كما يمكن للجالية المسلمة الكبيرة في دول الغرب المساهمة في نقل حقيقة الصراع ومجريات الحرب في فلسطين، برواية صادقة وبالإثباتات والأدلة القاطعة على ظلم الاحتلال وعدم إنسانيته، دون إغفال ما يقوم به أحرار العالم في تلك الدول ممن كسبوا ثقة الأجيال الحالية والمدافعين على الحق الإنساني ضد الظلم الصهيوني، وإبراز الصور البشعة لهذا الاحتلال وما يقوم به من عدوان ووحشية.
سقوط هيمنة الإعلام الغربي
ومن وجهة نظر إعلامية، كان لتكنولوجيا الإعلام والاتصال دور كبير في تبني جيل جديد بالغرب القضية الفلسطينية، حسب الدكتور نصر الدين بوزيان، أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة قسنطينة.
ويعتقد الدكتور بوزيان أن وسائل التواصل الاجتماعي نجحت في نقل صور الدمار بقطاع غزة إلى العالم الغربي ومست مشاعره، "ما يعني أن الضمير الغربي لم يمت بل الإشكال بالأساس هو إعلامي مرتبط بالهيمنة على وسائل الإعلام والمعلومة وتزييف الواقع".
وأفاد الدكتور بوزيان في تصريح لـ "الخبر"، أن هناك مساعي متكررة على مدى عشرات السنين لتزييف الواقع في ظل الإعلام المضلل والإعلام الغربي المنحاز للكيان، الذي يقدم دائما الجلاد في ثوب الضحية، كربط المقاومة بالإرهاب محاولة لتلطيخ صورتها.
وأضاف أن الرأي العام الملاحظ للممارسات الصهيونية بدأ يصبح أكثر جماهريا، من خلال مجموعة التنبيهات والسيطرة على وسائل الإعلام وغيرها، أو ما يسمى بالأدوات النابعة.
وتمنى أن تأخذ هذه الديناميكية مسارا أكبر من أجل الضغط على الحكومات الغربية لوقف الحرب المستمرة على قطاع غزة، ويستغل الرأي العام ما أمكنه من الوسائل المتاحة لإيصال رأيه والتعبير عليه، بما في ذلك الإجراءات الميدانية، من خلال جمعيات إنسانية وحقوقية لممارسة الضغط على القادة السياسيين الذين يدعمون الكيان الصهيوني.