شبح العزلة الدولية يلاحق النظام العسكري في مالي

38serv

+ -

يجر النظام العسكري الحاكم في مالي بلاده نحو عزلة إقليمية ودولية بسبب قراراته المتهورة لتبرير استمراره في السلطة، في مقدمتها تخليه الأحادي عن اتفاق السلام والمصالحة الموقع في الجزائر عام 2015، وهي الخطوة التي أثارت حفيظة جهات دولية بينها الاتحاد الأوروبي الذي أعرب عن أسفه لقرار نقض اتفاق السلام، محذرا من تبعاته، فيما يرتقب أن تصدر مواقف مماثلة من أعضاء المجموعة الدولية لمتابعة تنفيذ الاتفاق.

تواجه حكومة مالي الانتقالية منذ الانقلاب العسكري الأخير في ماي 2021 توترات على عدة جبهات، بينها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس" وعدد من القوى الدولية، لاسيما فرنسا. وقد وصلت هذه الخلافات حد قطع العلاقات رسميا مع باريس والخروج من مجموعة "إكواس" بعد أشهر قليلة من انسحاب باماكو من مجموعة دول الساحل الخمس المعروفة بـ"جي 5" ومن قوتها العسكرية المكلفة بقتال الجماعات الإرهابية في المنطقة.

وبناء على هذه التطورات يرى أستاذ العلوم السياسة والعلاقات الدولية، عمار سيغة، أن باماكو تتجه نحو عزلة دولية، واعتبر، في اتصال مع "الخبر"، "أن باماكو دخلت بالأساس في عزلة إقليمية مع قرارها الانسحاب من اتفاق الجزائر وكذا القرار الثلاثي الأخير لكل من مالي وبوركينافاسو والنيجر المتعلق بالانسحاب من مجموعة إكواس".

وأوضح سيغة أن "الدول الأخيرة هي دول حبيسة جغرافيا ليس لديها سواحل وممرات دولية، ما سيجعلها في عزلة اقتصادية وجغرافية، كما يرتقب أن تقلل أو تجمد الإكواس المساعدات والدعم الغذائي لهذه الدول الثلاث".

فيما يتعلق باتفاق الجزائر، لفت الدكتور عمار سيغة إلى أن "انسحاب حكومة مالي الانتقالية من جهة واحدة جاء في غضون انتظار المجموعة الإقليمية والدولية تسليم السلطة إلى حكومة مدنية وإنهاء المرحلة الانتقالية التي يقودها المجلس العسكري، لكن الأخير فضل الدخول في مناورة للتملص من المسؤولية السياسية أمام الشعب المالي بالتنصل من اتفاق السلام، في خطوة خلفت امتعاضا شديدا لدى الحركات المعارضة من بينها حركة تحرير الأزواد".

وعلى المستوى الداخلي يدرك المجلس العسكري الحاكم أن إجراء الانتخابات في موعدها نهاية 2024 وفق ما يقتضيه اتفاق السلام لن يكون في صالحه، بسبب توسع رقعة المعارضة في الجنوب وحتى بوسط البلاد نتيجة الفشل في إدارة الشأن العام، إلى جانب الصراع مع حركات الأزواد في الشمال، وبالتالي يحاول النظام العسكري إيجاد شماعة لتبرير تنصله من الاتفاق للبقاء في السلطة، حيث يدعي المجلس العسكري التوجه نحو تأميم الحوار وجعله يقتصر على الماليين دون سواهم، لكنه تجاهل نقطة هامة وهي أن الحوار الداخلي لا يمكن أن يتأتى إلا بوجود الثقة بين المكونات المالية وأمام غياب الأخيرة فالأمر يحتاج إلى وسيط خارجي.

وترى الحركات الأزوادية الموقعة، وهي أحد أطراف النزاع، أن لا قيمة لحوار أو اتفاق ليست له ضمانات خارجية، وبالتالي يرتقب أن تقاطع الحوار الداخلي الذي دعا إليه الرئيس الانتقالي المالي عاصيمي غويتا، الذي أعلن أن هدفه هو أن تكون حلول الشؤون المالية نابعة من الداخل والماليون هم مصدرها وهذا يتناغم مع شعار السيادة الذي رفعته السلطات الحالية بعد انقلابيها العسكريين، وإن كان ذلك ليس سوى مسعى للبقاء في السلطة.

ويعني إنهاء العمل بالاتفاق أن الحركات الأزوادية ستستأنف مباشرة الأعمال المسلحة ضد الحكومة المالية، فيما سيكثف الجيش المالي من هجماته بمدن الشمال.

وفي هذا السياق قال الدكتور عمار سيغة إن "إلغاء اتفاق السلام بهذه الطريقة ومن دون تشاور مع الوساطة الدولية وبحث خيارات تطويره على أساس إحلال السلم واستقواء العسكريين في مالي بقوات فاغنر في مواجهة حركات الطوارق، سيفتح الباب واسعا نحو تدمير كامل لأساسات الحل السياسي في شمال مالي"، لافتا إلى أن "كل التجارب السابقة التي استخدم فيها الخيار العسكري في المنطقة فشلت وأدّت إلى كوارث أمنية".

واعتبر المتحدث أن "المواجهة العسكرية حتما ستعيد المنطقة إلى المربعات الأولى وتشرع الباب أمام أطراف خارجية وإقليمية للتدخل مجددا في مجال حيوي بالنسبة للجزائر، وهذه مخاوف عبرت عنها الأخيرة تصريحا وتلميحا".

ومن المؤكد أن الاقتتال بين الحكومة الانتقالية والجماعات الأزوادية سوف يشكل عبئا أمنيا على طول ألف كيلومتر من حدود الجزائر الجنوبية مع الساحل الإفريقي. ولا يقتصر التهديد على الجانب الأمني بل يتعداه إلى مخاطر اجتماعية واقتصادية وهجرة غير شرعية مع تفاقم للجوء، إضافة إلى تنامي نشاط الجماعات الإرهابية على امتداد دول الساحل.

 

كلمات دلالية: