"التحقيق في الشكوى ضد الكيان في الاتجاه الصحيح"

38serv

+ -

استعرض المحامي الفرنسي جيل ديفير سير الشكوى المتعلقة بالإبادة الجماعية المرفوعة أمام المحكمة الجنائية الدولية يوم 9 نوفمبر 2023 ضد الكيان الصهيوني، معربا عن أمله في توجه محكمة لاهاي نحو محاسبة قادة الاحتلال، خاصة في ظل توفر جميع أركان جريمة الإبادة في الملف المقدم لمكتب المدعي العام.

تحدث المحامي الفرنسي أمس الثلاثاء مطولا في ندوة نظمتها جريدة "المجاهد" عن مسار تقديم شكوى جماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، بمبادرة من المجتمع المدني وبدعم مجموعة من المحامين، من بينهم اتحاد المحامين الجزائريين، ضد الكيان الصهيوني، تتعلق بالإبادة الجماعية وجرائم أخرى مرتكبة ضد الشعب الفلسطيني في كل من غزة والضفة الغربية المحتلة، قائلا "نحن نناضل من أجل تطبيق القانون في سياق بالغ الصعوبة، ونحن في معركة من أجل تأكيد فرض القانون والدفاع عن حقوق الإنسان".

وأعرب ديفير عن تفاؤله بشأن التوصل إلى نتيجة إيجابية للشكوى المقدمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، مشيرا إلى أن المحامين أصبح لديهم إطار عمل، وأكد المحامي أنه تم استقباله بمعية عدد من المحامين من طرف المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية عدة مرات منذ تسجيل الشكوى، مؤكدا أن التحقيق في الشكوى قد عرف تقدما في الاتجاه الصحيح.

وتابع في هذا الصدد أنه تمت المطالبة بإصدار مذكرات توقيف ضد كل من الوزير الأول ووزير الدفاع ورئيس أركان الكيان الصهيوني بتهمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وأشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تعمل وفق مبدأ عدم محاكمة المتورطين غيابيا، بل تقوم باستدعائهم أو إصدار مذكرات توقيف بشأنهم، لافتا إلى أن الشبهات المعقولة تكفي المحكمة الجنائية لإصدار مذكرة اعتقال بحق مسؤولين صهاينة.

 

أركان الإبادة

 

ويؤكد جيل ديفير قيام جميع أركان الإبادة الجماعية المادية والمعنوية التي تحددها الاتفاقية المتعلقة بالإبادة الجماعية لسنة 1948، وكذا ميثاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية، وهي مثبتة حسبه في الملف الذي تم تقديمه إلى المحكمة، والذي يتكون من حوالي 1800 صفحة، كما أشار إلى أن الملف يحتوي أدلة تتعلق بوضع المدنيين الفلسطينيين الذين اختطفهم ورهنهم الجيش الصهيوني في غزة، وكذلك المجاعة الحاصلة في القطاع.

ومن بين الأدلة التي قُدمت إلى المحكمة الجنائية الدولية، يضيف ديفير، "وثائق عديدة تتعلق بالهجمات على المدنيين في غزة، واستهداف النظام الصحي والغذائي، وتهجير نحو مليوني شخص". ولفت المحامي إلى أن العمليات العسكرية الصهيونية تستهدف المدنيين الفلسطينيين على وجه التحديد، وتدمر جميع جوانب الحياة في غزة، قائلا: "منذ البداية تم تنفيذ خطة لتدمير الحياة الاجتماعية في فلسطين وليس الأهداف العسكرية".

وخلال كلمته، شدد ديفير مرارا بأن التعريف الدقيق للإبادة الجماعية تحقق تماما في العدوان العسكري الذي يشنه الاحتلال على قطاع غزة، سواء أتعلق الأمر بالحصار وانعدام الغذاء ومنع الوقود، أو الإبادة عن طريق القصف والتهجير، وأضاف أن الوضع المتعلق بفلسطين تتوافر فيه جميع معايير السوابق القضائية المتعلقة بالإبادة الجماعية، ومن ذلك النوع الأول منها الذي يتعلق بإبادة السكان، وهو مثال لإبادة اليهود في عهد هتلر، لكنها في فلسطين إبادة من نوع آخر، فهي إبادة متعلقة بتدمير مجموعة اجتماعية.

 

مصداقية المحكمة

 

ويُفهم من كلام المحامي الفرنسي أن إصدار محكمة الجنايات الدولية حكما حول جرائم قادة الاحتلال في غزة وفلسطين قضية معقدة، لكنه تم تحقيق تقدم مقارنة ببدايتها. وأوضح في كلامه أن "البداية لم تكن منذ سنة، بل منذ 15 سنة عندما رفعنا أول قضية بعد العدوان في 2009.. وتقدمنا تدريجيا بعدها سنة بعد سنة أمام المحكمة في قضايا هامة". وأوضح: "عندما أرادت المدعية العامة السابقة للمحكمة التحقق من نقطة هامة جدا، وهي إن كانت فلسطين مؤهلة للانضمام إلى الاتفاقية، وإن كانت دولة أم لا، كان هناك أكثر من سنة من المداولات الفنية". وفي 2021 أقرت المحكمة بكل وضوح أن فلسطين هي دولة لها الاختصاص السيادي على الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، فلا مشكلة تطرح اليوم حسب ديفير من حيث الاختصاص القضائي، فإذا تأثرت أراضي فلسطين فهذا من اختصاص المحكمة.

وتابع المتحدث: "عندما رفعنا الدعوى في نوفمبر الماضي بعد أكثر من شهر من الحرب، لم تكن تلك الدعوة تقتصر على جرائم الحرب، بل كانت دعوى الإبادة الجماعية كذلك بناء على تحليلنا وفق القوانين الدولية، ولم تكن قضية اختصاص المحكمة الإقليمي، ورفض إسرائيل لها مشكلة بالنسبة لنا، لأن ما يحدث في فلسطين من اختصاص محكمة الجنايات الدولية، سواء أقبلت به دولة الاحتلال أم رفضته."

ورغم عدم تسجيله مؤشرات محفزة خلال لقائه المدعي العام لحكمة الجنايات الدولية، قال ديفير: "لدينا علاقات جيدة مع المدعين في المحكمة لأننا نعمل سوية، ودورنا أن نساعدهم في مهامهم"، معتبرا أن التحدي الذي يواجه المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية هو إثبات مصداقيتها في التعامل مع القضية الفلسطينية، خاصة بعد قرار محكمة العدل الدولية الأخير الذي طالب حكومة الاحتلال بأن تمتنع عن أي أعمال قد تؤدي إلى قتل الفلسطينيين بالمخالفة لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وطالبها بتقديم تقرير في خلال شهر تستعرض فيه جهودها لمنع أي انتهاكات للاتفاقية وعدم استهداف المدنيين.

وأكد: "هناك خطان يسيران متوازيين: خط محكمة العدل الدولية التي تفصل في النزاعات بين الدول، وخط محكمة الجنايات التي يمكن أن تصدر أحكاما على من ارتكب في قيادة الاحتلال جرائم تدخل في اختصاص المحكمة".

وشرح ديفير ابتعاد محكمة العدل في منطوق حكمها عن إقرار أمر وقف إطلاق النار بالقول إن محكمة العدل الدولية تختص بمساءلة الدول فقط دون الكيانات الأخرى، ولا تستطيع وقف إطلاق النار ضد طرف واحد في صراع مسلح دون الطرف الثاني، موضحا أن الحرب الحاصلة ليست بين إسرائيل وفلسطين، لذا فالطرف الآخر ليس خصما في الدعوى، فحماس جماعة مسلحة لا تستطيع المثول أمام المحكمة.

 

كلمات دلالية: