38serv
يتنقل عمي محمد ذي الـ 60 عاما بحيويته المعهودة بين سيارة وأخرى، يفحص محرك هذه، ويبدي رأيه بأداء تلك في سوق تيجلابين بولاية بومرداس، الذي فتح أبوابه مجددا بعد 3 سنوات من الغلق، فرضته جائحة كورونا.. وهو الرجل المعروف بشغفه لصوت محركات الفولكسفاكن منذ ما يزيد عن 40 سنة.
ينتظر الجزائريون وبلهفة كبيرة، ما تجود به كوطة سنة 2024، من السيارات الجديدة، من مختلف العلامات، سيما الآسيوية والأوروبية، وهي القادرة، حسب توقعات المتابعين، على قلب موازين سوق السيارات المستعملة، بمختلف ربوع الوطن بعد أكثر من 3 سنوات من التوقف المفروض بسبب تفشي جائحة كورونا، إلا أنها لم تتمكن من إنهاء حالة الركود المسجلة، بسبب ارتفاع الأسعار وتخوف الزبائن من المغامرة في ظل استفحال ظاهرة "الغش".
وفيما ينتظر المواطن البسيط أن تكون سنة 2024 سنة انفراج كلي لأزمة السيارات، سيما مع بداية تسويق علامات أخرى جديدة، وذلك بعد منح الاعتمادات النهائية لعدد من العلامات الآسيوية والأوروبية، يراهن العديد من المتابعين لسوق السيارات "المضطربة" في الجزائر، على أن توفّر السيارات الجديدة، كمّا ونوعا وبأسعار تنافسية، هو الضامن الوحيد لإعادة تنظيم اضطراب السوق، وخاصة فيما يخص السيارات المستعملة.
من جهتها، تتوقع وزارة الصناعة والإنتاج الصيدلاني انتعاش سوق السيارات في الجزائر، خلال السداسي الثاني من العام الجاري، بالنظر إلى التدابير والتسهيلات المقدمة من قبل السلطات العمومية للمتعاملين الاقتصاديين في مجالي الإنتاج والاستيراد، بحيث أن الأخيرة منحت لحد الآن 44 اعتمادا للمتعاملين الذين استوفوا جميع الشروط، بينهم 33 بالمائة خاصة بالسيارات النفعية والسياحية و29 بالمائة لأصحاب الدراجات و 12 بالمائة للجرارات والمقطورات والحافلات والآلات المتحركة".
غليان في سوق تيجلابين
عاد سوق "تيجلابين" للسيارات المستعملة بولاية بومرداس، ليفتح أبوابه وللأسبوع الثاني على التوالي، أمام الزبائن وذلك بعد 3 سنوات كاملة من الغلق، بحيث خصصت بلدية تيجلابين غلافا ماليا تجاوز 3 ملايين دينار جزائري لإعادة تهيئة السوق المتربع على مساحة 14 هكتار، وتوفير الخدمات الضرورية على مستواه. وذلك في وقت أجرت فيه ذات المصالح 8 هكتارات من مساحة السوق الإجمالية للفضاء التجاري لبيع وشراء السيارات المستعملة بشتى أصنافها، بطاقة استيعاب تقدر بـ 2000 مركبة، فيما ينتظر تأجير المساحة المتبقية من السوق الذي يعود لسنة 1985، لإنشاء سوق وطني أسبوعي للماشية، وآخر للجملة والمواد المصنفة.
وفي ثاني موعد أسبوعي لسوق تيجلابين الشهير، سجلت "الخبر" في تمام التاسعة صباحا حضورها، السبت الماضي، بالموقع لرصد آخر تطورات سوق السيارات المستعملة، والوقوف على عمليات البيع والشراء، بحيث شهد الأخير تدفقا غير مسبوق للمواطنين من مختلف ولايات الوطن، بدافع من الفضول ومعرفة آخر المستجدات، وطمعا في الوقوف عن كثب على تراجع الأسعار التي بلغت مستويات قياسية، خاصة بعد تسجيل حركية ملحوظة في المجال بعد دخول علامات جديدة على غرار "شيري"،"جيلي" و"أوبل".
وفيما كانت مداخل ومخارج السوق الشمالية والجنوبية ممتلئة عن آخرها بسيارات من مختلف الموديلات والأحجام وبلوحات ترقيم من جل ولايات الوطن، كان من الصعب التنقل بين السيارات المركونة أمام بعضها، أو المرور عبر أجزاء السوق أمام كل تلك التجمعات المعاينة للمركبة، والسائلة عن عيوبها وأسعارها خاصة.
وبين باحث عن مركبة تسهل عليه التنقل بعد عناء دام لعدة سنوات، وبسعر في متناول قدرته الشرائية، وبين عارض يطلب أرقام فلكية، وغير منطقية بالنظر إلى حالة المركبة وتاريخ صنعها، يبقى سوق السيارات الجديدة هو المعيار الأول لتحديد الوضع العام لتجارة المركبات في البلاد.
يحدث ذلك في وقت يطالب فيه العديد من المواطنين، ممن استطلعت "الخبر" آراءهم، السلطات العمومية باستعجال الوكلاء المتحصلين على رخص الاستيراد من أجل مباشرة النشاط، لفك الضغط عن الطلب الرهيب للزبائن، الذين يشكلون طوابير طويلة أمام مختلف نقاط العرض عبر الوطن، لتسجيل طلبياتهم، فيما ينتظر آخرون منذ شهر الماضي استلام سياراتهم، بالرغم من دفعهم لكامل المبلغ المطلوب.
"ألتو" بـ 135 مليون !
حسب العديد من المواطنين والمهتمين، ممن حدثتهم "الخبر" في سوق تيجلابين، وحسب اطلاعنا على عروض الباعة، فإن أسعار السيارات لازالت مرتفعة ولا تعكس إطلاقا الانتعاش الذي شهده سوق السيارات.
فقد اقتصرت عمليات البيع والشراء على السيارات التي يتراوح سعرها ما بين 100 و150 مليون سنتيم فقط، على غرار سيارة "ألتو" لسوزوكي سنة 2013، والتي بيعت بسعر 135 مليون سنتيم، في الساعة الأولى من الصباح، فيما تجاوز سعر سيارة "بيجو 207" 197 مليون سنتيم. وقفزت سيارة شيري تيغو 2 الجديدة بعلبة أوتوماتيكية من سعر المصنع المقدر بـ 2.790.000 دج ليعرض على صاحبها 285 مليون سنتيم مع رفض البيع ليقول "ما زالت بعيدة ! ".
السيارات "النقية" تباع باكرا
لا يختلف اثنان في سوق تيجلابين على أن جل السيارات المستعملة التي توصف بلغة السوق بـ "النقية"، نظرا لحالتها الممتازة وأدائها الجيد، قد بيعت منذ ساعات الصباح الأولى.
يقول العم "يوسف" أحد زوار السوق القدامى، ممن لهم خبرة أعوام طويلة في مجال تصليح محركات السيارات، أن "العثور على سيارة مستعملة غير مغشوشة وفي حالة جيدة نادر هذه الأيام، فالسوق الذي يشهد ندرة في المركبات وفي قطع غيارها بالتأكيد سيؤدي بأصحاب المركبات إلى استعمال مختلف الحيل والتلاعبات من أجل التغطية على أعطاب ومشاكل السيارة".
وأكد أنه أمام هذا الوضع المريب، فإن الزبون في السوق يسارع إلى اقتناء المركبة التي يجدها خالية من جملة المشاكل والعيوب دون أي تردد في ذلك، واصفا إياه بالقول "الشاري عينو حمرة".
الدينار "المربي !"
العم "يوسف"، ذي الـ 60 عاما تقريبا، وبحيويته وديناميكيته، الظاهرة من خلال تحركاته بين مختلف أصناف السيارات، بات يعرف في سوق تيجلابين بشغفه بالإطلاع على أنواع المحركات، وهو الذي لا يبخل من يطلب استشارته بشأن أي سيارة في السوق، خاصة من حيث أداء المحرّك الذي يستطيع العم "يوسف" أن يعرف علّته وجودته من الصوت الذي يصدره فقط.
وبشأن تطورات سوق السيارات المستعملة، أكد عمي "يوسف"، أن الأخير لم يعد مثل ما كان عليه قبل الأزمة التي شهدتها الأخيرة مع حلول سنة 2015 وإلى غاية اليوم، بسبب الركود الاقتصادي والعجز المالي الذي عرفته الجزائر، ما اضطر الحكومة إلى غلق باب الاستيراد لترشيد النفقات.
ويواصل محدثنا: "فهذا الغلق الذي فرض على مجال السيارات خلق فلسفة جديدة، أعطت الشرعية لمضاعفة أسعار المركبات بشكل مبالغ فيه جدا، إلى درجة أجبرت المواطن على الرضوخ أمام عيوب كان يجدها بالأمس القريب كفيلة بأن تطيح بقيمة المركبة بعشرات الآلاف".
كما أشار إلى أن المشكلة في البيع والشراء اليوم، استصغار ما وصفه بـ "الدينار المربي"، حيث يبالغ البائع في تقييم سعر سيارته، بل عاد يتحايل باصطحاب "شاري مزيف" كوسيلة لفرض سعر البيع على الزبون الحقيقي أو "زبون النية".
"الخبر" وقفت أيضا على حالة مماثلة لما حذّر منه العم "يوسف"، بحيث عمد بائع سيارة بيجو 207، إلى الاستعانة بصديقه، ليمثّل دور "الشاري"، مقدما له سعر 140 مليون سنتيم، للمركبة التي فاق عدّادها 200 ألف كيلومتر. وذلك قبل أن يتدخل مواطن مضيفا 6 ملايين سنتيم فوقها، ويستمرّ "الشاري المزيف" برفع القيمة إلى 150 مليون سنتيم. فيما يستمر البائع في الرفض قائلا "مزالت بعيدة السيارة نقية" في انتظار زبون "نيّة" يرفع السعر أكثر وأكثر، في مسرحية مفضوحة مسبقا.
من أين لك هذا؟
من جهة أخرى، تساءلت "الخبر"، ومعها العديد من زوار سوق تيجلابين، السبت الماضي، عن كيفية تمكن أحد الباعة من عرض ثاني سيارة له اقتناها من أحد وكلاء علامة "شيري" الصينية المعتمدين في شرق البلاد، للبيع في سوق السيارات المستعملة.
والأمر يتعلق بسيارة "تيغو 2 برو" منتظرا أعلى سعر ممكن يقدّمه أحدهم، في وقت ينتظر الآلاف ممن أودعوا طلبتاهم لدى مختلف الوكلاء عبر التراب الوطني، ولا زالوا ينتظرون تاريخ تسليم سيارتهم !
تركنا سوق "تيجلابين" بعد الاستماع إلى نداءات لا حصر لها لمواطنين أتعبتهم تنقلاتهم اليومية، مطالبين السلطات العليا في البلاد بالتعجيل بضبط سوق السيارات الجديدة والمستعملة، وقطع كل السبل أمام السماسرة والبزناسية.