38serv
أعيد انتخاب المفكر الإسلامي، غالب بن الشيخ، على رأس مؤسسة الإسلام في فرنسا لعهدة ثالثة تمتد لسنتين، بعد أن كان المرشح الوحيد إثر فشل منافسه في دخول مجلس الإدارة وهو الشرط الضروري للترشح.
ويستمر الرجل في هذا المنصب منذ خلافته السياسي الفرنسي اليساري، جون بيار شوفنمان، الذي كان أول رئيس لهذه المؤسسة التي أنشئت سنة 2015.
ويعدّ بن الشيخ الحاصل على دكتوراه في العلوم والفيزياء والمتبحر في الفلسفة والتاريخ الإسلامي، من أبرز الشخصيات الفرنكو-جزائرية المختصة في الإسلام بفرنسا، وهو يتبنى نظرة إصلاحية تهتم بالجوانب الحضارية للإسلام وإشعاعه التاريخي.
وفي هذا الحوار مع "الخبر"، الأول منذ إعادة انتخابه، أكد بن الشيخ أن المؤسسة ستواصل مهمتها في التعريف بالإسلام عبر مشاريعها المختلفة والتعاون مع مختلف المؤسسات. كما ستعمل على إزالة التوتر والاحتقان في المجتمع الفرنسي في ظل النظرة العدائية لبعض التيارات اليمينية للمسلمين.
وأكّد من جانب آخر، أن مؤسسة الإسلام في فرنسا رهن إشارة جامع الجزائر الذي اعتبره صرحا دينيا وثقافيا عالميا، للتعاون والتواصل وإقامة مشاريع مشتركة.
تم انتخابكم على رأس مؤسسة الإسلام في فرنسا.. ما هي أولوياتكم في هذه العهدة الثالثة في مساركم؟
المسؤولية قد تجددت في العبد الفقير وهي تكليف أكثر منها تشريف فالتحديات كبيرة جدا خاصة في هذا الزمن، حيث العنصر العربي والإسلامي في فرنسا يُنظر إليه أحيانا بمنظار عدم الثقة، وهو ما يفرض علينا مواصلة العمل لتصحيح الصورة وتأكيد حضورنا في خدمة المجتمع والمساهمة في رقيّه. عملنا ينصب في المجالات الثقافية والتربية والعلمية والفكرية، ولا يتعلق بالشق الشعائري الديني، ومن صميم مهمتنا أن نقدم رؤية سمحة تعيد إحياء الجوانب المشرقة في الحضارة الإسلامية، تماشيا مع العصر أي دون أن نسقط في فخ البكاء على الأطلال أو نتعارض مع مبادئ الدولة الفرنسية التي تتبنى العلمانية التي تفصل الحيز الديني عن الفضاء العام. ومن أجل بلوغ هذه الأهداف، سنواصل مشاريعنا التي تتضمن تقديم منح للطلبة المتفوقين والتركيز على جوانب التكوين لكل من يهتم بالإسلام ومواصلة الحوار والنقاش في المجتمع وفق أسلوب حضاري مع المختلف معنا.
كيف تنظرون إلى واقع المسلمين في فرنسا في ظل أن هذا البلد يموج بالتيارات التي تجاهر بعدائها للإسلام والمسلمين؟
كان هناك للأسف تداعيات سلبية على المسلمين جراء أحداث سابقة هزّت المجتمع الفرنسي، بالإضافة إلى صعود تيارات تحاول تسويق صورة غير صحيحة عن الإسلام والمسلمين لغايات أيديولوجية وانتخابية. والمسلمون في خضم كل ذلك، وجدوا أنفسهم بين فكي كماشة، طرفها الأول اليمين الذي يعيش نشوة انتشار أيديولوجي وفكري في كل أوروبا وليس فرنسا فقط، وطرفها الثاني بعض المتطرفين من المسلمين أنفسهم خاصة في فئة الشباب. يضاف إلى كل ذلك، تصريحات بعض الأئمة الذين لم ينسجموا مع القوانين الفرنسية ويغذون بتصرفاتهم جو الريبة من المسلمين.
نحن في مؤسسة الإسلام في فرنسا، نقوم بكل ما في وسعنا من أجل تهدئة هذا الجو المتوتر، حيث نرى أن الحوار هو السبيل الوحيد لإزالة الاحتقان وجعل الآخر يتعرف على الإسلام بعيدا عن الأحكام المسبقة أو الجهات المتطرفة.
هل لديكم مشاريع تعاون مع الجزائر خاصة أن الجزائريين يمثلون نسبة هامة من مسلمي فرنسا؟
نحن نعمل دون هوادة على أن نوطد أواصر المحبة والتعاون مع كل المؤسسات الجزائرية والعربية سواء الفرنكوفونية أو الناطقة بالعربية. ونسعى لتبادل الخبرات مع كل من له نوايا حسنة لإعطاء صورة حضارية عن الإسلام. طبعا، تمثل الجزائر أهم البلدان التي نتعاون معها، فأنا من تلك الطينة الطيبة ووجودي على رأس مؤسسة الإسلام في فرنسا، أتمنى أن يسمح بأن يكون التعاون مثمرا ويؤتي أكله، خاصة أن العنصر الجزائري وحاملي الجنسية المزدوجة يشكلون أغلبية مسلمي فرنسا.
هل هناك وزارات بعينها يمكنكم العمل معها؟
نحن تربطنا علاقات مع عدة هيئات حكومية في بلدان مثل الأردن ومصر وقطر والسعودية، فكيف بالجزائر العزيزة علينا التي نعمل معها بكل سرور. طبيعة عملنا الثقافي والفكري، تجعل من الممكن أن نتعاون مع وزارات الشؤون الدينية والثقافة والتربية وكل المنظمات الوطنية المعنية بهذه الجوانب.
افتتحت الجزائر مؤخرا "جامع الجزائر" الذي يعول عليه لأن يكون رافدا حضاريا يتجاوز حدود البلاد إلى العالم. كيف تنظرون إلى هذا الحدث وهل يمكنكم مستقبلا التعاون مع الجامع؟
في البداية، لا يسعنا إلا أن نبارك للجزائر وللأمة الإسلامية قاطبة هذا الصرح الديني والحضاري العظيم، والذي نعتقد أن الجزائر دخلت به التاريخ الروحي والفكري والحضاري من بابه الكبير. لقد حزّ في نفسي أني لم أستطع تلبية الدعوة الكريمة التي وجهها لي عميد جامع الجزائر الشيخ مأمون القاسمي، ذلك أن التدشين تم تأجيله بأسبوع، وكانت لي في التاريخ المحدد لاحقا ارتباطات قاهرة منعتني من الحضور.
في الواقع، أفرحني كثيرا ما سمعته من عميد مسجد الجزائر، الشيخ مأمون القاسمي، من كلمة جامعة في التدشين ركز فيها على الإسلام الحضاري وقيم وفضائل الحوار مع الآخر والتسامح الذي هو من صميم ديننا الحنيف. وهذا ليس ببعيد عن الرجل الذي يعد من أبناء الجزائر البررة فهو يجمع بين القامة العلمية والبعد الروحي، ما يجعله الرجل المناسب في المكان المناسب في الدفاع عن المرجعية والحفاظ عن الإرث الديني والثقافي الجزائري. ومن منبركم هذا، أقول إن مؤسستنا رهن الإشارة في توطيد المحبة وأواصر العمل المشترك مع جامع الجزائر، عسى أن نلتقي قريبا لنمهد الطريق للعمل معا.
صرّحتم بعد انتخابكم أن مؤسسة الإسلام في فرنسا تواجه عسرا ماليا.. ما هي أسباب هذا الوضع وكيف يمكنكم مواجهته؟
في الحقيقة، نحن في عسر مالي منذ فترة، نتيجة عدم حصولنا لحد الآن على التمويل الذي وعد به الرئيس إيمانويل ماكرون في خطابه في 2 أكتوبر 2020 والذي يقدر بـ10 ملايين أورو. ومن الناحية القانونية، لا تستطيع المؤسسة الحصول على تمويل من خارج الاتحاد الأوروبي، لذلك لا يمكننا توسيع دائرة المانحين. لذلك، نحن نفكر في كيفية جلب موارد جديدة، خاصة من خلال إقناع مسلمي فرنسا بمشروعنا والاعتماد على رجال الأعمال والأشخاص القادرين على المساعدة، كون مشروعنا موجه بالأساس لخدمة قضية نبيلة تخص المسلمين.
يتوقع أن يقوم الرئيس عبد المجيد تبون بزيارة لفرنسا هذا العام، ما المتوقع من التقارب الجزائري الفرنسي على صعيد دعم حضور المسلمين ومؤسساتهم في فرنسا؟
العلاقات بين الجزائر وفرنسا متشابكة والشعبان بينهما اختلاط كبير بحكم التاريخ والحاضر. أعتقد أن زيارة الرئيس عبد المجيد تبون ستدعم العلاقة بين البلدين وتوطدها أكثر على الصعيد السياسي والدبلوماسي وفي قضايا الذاكرة التي لا تزال تؤثر على المستقبل. نحن ندعم من جهتنا كل ما يقوي العلاقة، لأن ذلك سيصب حتما في صالح المواطنين الحاملين للجنسية الجزائرية الذين يقيمون في فرنسا.
أثير مؤخرا جدل حول قرار فرنسا إنهاء استقدام الأئمة الأجانب ومنهم الجزائريون. هل سيؤثر ذلك على أداء المساجد في رأيكم؟
في الحقيقة الحكومة الفرنسية سيدة فيما يخص سياستها المتعلقة برجال الدين. ولا داعي للقلق بخصوص الأئمة الذين أنهوا الانتداب، إذ يمكنهم العمل كموظفين للاستمرار في تأدية رسالتهم، من خلال تغيير وضعية الإقامة، وهذا معمول به لحد الآن. يفرض علينا هذا القرار في الواقع، تحديا يتعلق بتكوين الأئمة هنا في فرنسا وإحاطتهم بكل متطلبات العمل حتى لا يقعوا في تعارض من قوانين البلاد التي يشتغلون بها.