سعداني - توفيق: “حروب حافة الهاوية”؟!

+ -

 هذا النظام أنتج “توفيق”، وليس توفيق من أنتج النظام، وكان يمكن أن ينتج اسما آخر. هذا النظام أنتج الـDRS وغيّب العمل السياسي أو عوّمه، وأنتج أمثال سعداني وأنتج الفساد والرداءة.نعم.. هذا النظام وحش بلا مشاعر، أنتج ما قد يدمره. هل تصريحات سعداني تعني بداية نهاية هذا النظام، أم فقط بداية نهاية “الجنرال توفيق”، أم نهاية الاستقرار والدولة؟ نحن نعرف نظام “توفيق ودولته” وطالبنا ونطالب بتغييره، ولكن لا أعتقد أن سعداني يحمل مشروع دولة أخرى (!!) لا مدنية ولا غيرها. هذا النظام وصل - منذ زمن طويل- نهاية صلاحيته، وقد استمر الوقت الضائع أكثر من عشريتين، ولم يعد منذ فترة طويلة ينتج إلا الأزمات المتتالية، قدرته كانت دائما ضعيفة على إيجاد الحلول الناجعة لمشاكل البلاد وإشكالياتها، وازدادت هذه القدرات ضعفا مع سيادة نظرة أركائيكية لممارسة السلطة وإدارة شؤون دولة، ثم مع اضمحلال المؤسسات الهشة، ومع انتشار الفساد على نطاق واسع. ويبدو اليوم أن النظام لم يعد قادرا حتى على حل مشاكله الداخلية بطريقة أخرى غير “حروب حافة الهاوية”. دولة اللامؤسسات ودولة البيروقراطيات الإدارية والأمنية، انتهت اليوم إلى هذه الصورة المخيفة. وملامح الأزمة الراهنة، في الوقت الذي تطرح تهديدات جادة على استقرار البلاد، تفضح مسائل أساسية كان ينبغي التخلي عنها منذ زمن بعيد. فالدعوة للتغيير ليست وليدة اليوم، والدعوة إلى الديمقراطية وإلى دولة المواطنين والمؤسسات ليست وليدة تصريح الأمين العام لحزب الرئيس وحزب توفيق وحزب السلطة ككل. لقد ناضل الكثيرون من أجل ذلك وتعرضوا للإقصاء والتهميش بشكل تعسفي ظالم. هذا في وقت كان أمثال سعداني، يستفيدون من هذا النظام، يحبكون المناورات أو ينفذونها من أجل جمع الثروات أو من أجل تحقيق أمجاد شخصية، من غير أي استحقاق لا علمي ولا نضالي للكثير منهم، وعلى حساب الوطن والدولة. كل ذلك ظل ممكنا، لأن هذا النظام يسمح بذلك، بل يمكن أن أقول للأسف صار لا يسمح إلا بذلك. سأروي قصة من دون أن أذكر اسم صاحبها. ذهبت ذات يوم من أيام بداية عام 1989، وفي إطار محاولة إطلاق حوار سياسي بين من كانوا يعتبرون رجال سياسة، قبل دخول محاولة الإصلاح التي بدأت بعد 1988 حيّز التنفيذ، قلت ذهبت مع زميلي وصديقي بشير حمادي للقاء واحد من “أشهر رجال السلطة” في بيته طمعا في حديث صحفي.الرجل فاجأنا بالقول: “لمّا لَبْلاد الدّاها الوَاد بَعْتُوكُم تستنطقُونا”. فاجأنا الأمر وأزعجنا أكثر لأن فيه تجنيا. بعد ذلك فهمنا أنا وزميلي أن السلطة، بالنسبة للرجل، تمارس بتلك الطريقة فقط ولهذا فكل إعلامي ما هو إلا أداة مناورة سياسية من السلطة وأجهزتها. قلت للرجل قبل أن نغادره: سيدي ما قلته فاجأنا ولا أريد أن أنام وفي قلبي حرقة من الاتهام الذي أطلقته ولكنني أقول لك وبالفرنسية: ce système vous l’avez construit nous l’avons subi. نظر إلينا الرجل نظرة حادة وفهم المقصود، ثم ألح علينا أن نعود للجلوس ومواصلة النقاش. ثم روى لنا كيف اكتشف هو، بعد وفاة بومدين، طبيعة النظام ومركز القوة الأساسي فيه، وكان اسمه أيامها قاصدي مرباح. سياسيون ومثقفون وإعلاميون كثيرون، منذ ذلك الزمن، بحت أصواتهم تنادي بالتغيير وبناء دولة أخرى، وهرمت وهي تناضل من أجل أن يسمح لها بالدعوة للتغيير، والتنبيه أن هذا النظام انتهت فترة صلاحياته، وأنه ينبغي أن يكون ذكيا ويتفادى انهياره وانهيار الدولة. هذا النظام ومنطق ممارسة السلطة فيه، رفضت جل مكوناته التغيير، لصالح دولة المؤسسات ولصالح القانون. اليوم يحاول البعض أن “يركب” موجة “الدولة المدنية”، وكأن صراع العصب يمكن أن ينتج شيئا آخر غير ما أنتج من أزمات ومن فساد ورداءة.     “الحروب” الداخلية للنظام تخيفنا، لكن مؤكد أنها لن تبني بديلا سياسيا، لأنها لا تدفع إلا إلى شيئين: إما مزيد من الانسداد أو انتصار جهة على أخرى، بعهدة رابعة أو من دونها، وإبقاء الحال على ما هو عليه أو حتى، وهذا المتوقع أكثر، تدهور آخر باتجاه مزيد من الرداءة ومزيد من الفساد. نعم الفساد قد “يأكل” اللواء توفيق والرئيس بوتفليقة والفريق ڤايد صالح وغيرهم، إن لم يتم وضع نقطة نهاية في هذا النظام وفي مثل هذا الشكل من السلطة. لهذا نتمنى أن تتحرك الروح الوطنية وأن تتفوق الحكمة وأن تتمكن الإرادات الخيرة من وضع حد لهذا الشكل من ممارسة السلطة. فهل ذلك ممكن؟

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: