38serv
مع الأسف، عادت جرائم القتل البشعة تتصدر مواضيع أخبارنا اليومية.. فلقد استيقظ الجزائريون عشية عيد الفطر على وقع صدمة اغتيال ثلاثة أشخاص بطريقة شنيعة في ولاية سيدي بلعباس غربي الجزائر، حيث إن الضحايا هم سائقو سيارات أجرة عبر تطبيق إلكتروني، تم اقتيادهم إلى مزرعة، حيث أجهز عليهم الجناة ببرودة دم.
تعد جريمة القتل من أعظم الذنوب لأن فيه اعتداء على حق: الله، القتيل، أهله، مجتمعه، ويعتبر: قتلا للناس جميعا، ولذلك رتب الله عليه عقابا دنيويا وهو: القصاص أو الدية المغلظة، إضافة إلى الفضيحة، وعلاوة على انتقام الله، ورتّب عقابا أخرويا يشمل: دخول جهنم والخلود فيها، وغضب الله والعذاب العظيم، قال تعالى: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأْرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}، وقوله تعالى: {ومن يقتُل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}، وقوله عليه الصلاة والسلام في التحذير من الاعتداء على أرواح الناس وأموالهم وممتلكاتهم: “لزوال الدنيا جميعا أهون على الله من دم سُفِك بغير حق”، وفي حديث آخر: “لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِب دما حراما”.
إن حق الحياة من أقدس الحقوق والاعتداء على هذا الحق من أعظم الجرائم وأكبر الكبائر لكونه يسيء إلى واهب هذه الحياة وبارئها ولما يسببه ذلك من المس بأمن المجتمع واستقراره وإشاعة الفوضى فيه والأضرار التي تترتب عليها.
ولعل من أهم أسباب ارتفاع نسبها في المجتمعات المتخلفة، ضعف تطبيق القانون، والإفلات من العقاب، وبالطبع الفقر والبطالة، وضعف الوازع الديني؛ لأن الدّين هو الذي يهذب سلوك الفرد، ويُبعده عن سلوك العنف والانحراف..
كما لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بأنواعها دور بارز في تنامي ظاهرة العنف لدى المراهقين؛ فالبرامج الإعلامية، وخصوصا التلفزيونية، من حيث إنها تقدم لهم عينة من التصرفات الخاطئة، مثل العنف الذي يشاهده المراهق لمجرد التسلية والإثارة، قد ينقلب في نهاية التسلية والإثارة لواقع مؤلم بفعل التأثير السلبي القوي والفعال لوسائل الإعلام لتجسيد العنف بأنماطه السلوكية المختلفة..
إن نشر الجريمة على هذا النحو في وسائل الإعلام يُجرِّئُ السفهاء في المجتمع على ارتكاب تلك الجرائم التي يقرؤونها أو يشاهدونها، وقد يُعدّلون في بعض الخطط والوسائل؛ وبذا يتحولون إلى مجرمين حقيقيين، وتزداد رقعة الجريمة ولا تنكمش ويتسع الخرق على الراقع كما هو الحال في البلاد، والمطلع على أحوال السجون يعرف ذلك جيدا.
إِن الجريمة سلوك شاذ، يهدد أمن الأفراد واستقرار المجتمعات ويقوض أركان الدول والبلاد، وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء بعدلها القويم ومبادئها الشاملة تدور حول صيانة الضرورات الأساسية التي لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها، ويعيش بدونها، وقد وضعت الشريعة الإسلامية في سبيل المحافظة على هذه الكليات عقوبات زاجرة وأليمة لكل من يتعدى عليها وينتهك حرمتها.
والإسلام باعتباره دين صلاح وإصلاح قد تصدى للظاهرة الإجرامية، وحرص الإسلام على الوقاية من الجريمة، وحاربها بطرق متعددة وعلى مستويات مختلفة، وفاق بذلك كل النظم الوضعية في الحد والإقلال من الجريمة، وإحدى الطرق التي اتبعها الإسلام في ذلك هي وضعه لنظام العقوبة.
كما أن الوقاية من انتشار جرائم القتل في المجتمع تتطلب التصدي للعوامل المؤدية إلى العنف ومعالجتها بصورة علمية، ويجب أن تتركز الجهود الوقائية على مرحلتي الطفولة والمراهقة؛ نظرا لأن سلوك طريق الإجرام يتكون غالبيته من مرحلة الطفولة المبكرة.
وينبغي اتخاذ مجموعة من التدابير الهادفة إلى استئصال الشر من النفس البشرية، والتي تؤدي إلى إيقاظ الشعور الديني، والذي يعد الضابط الداخلي لدى كل فرد، لضبط سلوكه وفق القوانين والأنظمة المعمول بها، ويمكننا أن نوجز وسائل الوقاية في:
الخوف من الله والمحافظة على عبادة الله تعالى لها أثر فعال وسريع في تهذيب القلوب والسلوك، وهذه العبادة تربط المسلم بالله تعالى، وتلزمه باتباع أوامره سبحانه.
وتعد الأسرة نقطة البداية التي يجب أن تتركز فيها التدابير الوقائية ضد الجرائم بأنواعها، وذلك بالعمل على استقرارها وتهيئة الجو المناسب لتنشئة أسرة صالحة، فإذا ساد الحب والتفاهم والتعاون بين أفراد الأسرة، أدى ذلك إلى اجتناب الميل إلى الإجرام أو الانحراف.
وعلى العلماء والدعاة والإعلاميين والمثقفين تبصير المسلمين بكافة الأساليب والوسائل المتاحة بأسباب القتل وعلاجها، وأثرها في القتل ظلماً، والوقاية منه.
إن اقتلاع جذور هذه الظاهرة هو مسؤولية الدولة التي عليها أن تقوم بدورها في بسط الأمن وفرض هيبتها أن تسارع بالقبض على القتلة والمجرمين وسفاكي الدماء حتى لا يشعر أحد سواء أكان شخصا أو عائلة أو قبيلة بأن عليه أن يأخذ حقه بيده كما يحصل في واقعنا، بل يرى في الدولة حماية لرد كيد المجرمين أيا كانت مواقعهم وإمكاناتهم والتغطية التي تؤمن لهم، وهو يحتاج أيضا إلى تضافر جهود العلماء وأصحاب الرأي والفعاليات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجهات المؤثرة لإشاعة ثقافة احترام الدم ومنع استسهال سفكه، والتربية على الالتزام بالقانون، حيث يكون القانون للجميع ولا يفرق في تطبيقه بين شريف ووضيع ومسؤول للوقوف في وجه هذه الظاهرة التي أدت وتؤدي إلى تجزئة المجتمع فرقاً متناحرة، وإلى الحؤول دون نهوض المجتمع وتطوره وبالتالي إلى تخلفه.
فالدّين هو اللاعب الرئيس في عملية حماية المجتمع، والحفاظ على مقومات وجوده وركائزه الأساسية دعائم هذا الوجود. وذلك من خلال منظومة تضمن الارتقاء الإنساني في الجانب المعنوي والروحي.