احتفلت جنوب إفريقيا بمرور 30 عاما من انتهاء حكم الفصل العنصري أو "الأبارتايد" والذي تزامن مع حركة دولية متنامية ضد نظام "أبارتيد" مشابه في أدق التفاصيل الذي تقيمه دولة الاحتلال الصهيوني بفلسطين المحتلة. نظام يواجه نفس الضغوطات الدولية والداخلية التي عاشها نظام "الأبارتيد" في جنوب إفريقيا في أيامه الأخيرة.
ما عاشه السود في جنوب إفريقيا تحت نظام حكم "الأبارتيد" الأقرب إلى التجربة التي يعيشها الفلسطينيون اليوم، وإن كانت بشكل أكثر شراسة وعدوانية لأنه في جنوب إفريقيا لم تستخدم الآلة العسكرية القاتلة التي يستخذها الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ضد المدنيين الفلسطينيين والتي أتت على أرواح أكثر من 23 ألف شخص أغلبهم أطفال ونساء في حوالي نصف سنة.
نظام الفصل العنصري الذي بني على أساسه الكيان الصهيوني، مشابه وطبق الأصل لما عاشه نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وما يحدث في الجامعات الأمريكية والغربية من ثورة طلبة ضد، ليس فقط العدوان والابادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة، بل أيضا ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين المحتلة، إلى جانب المواقف الدولية الرافضة لتواصل الاحتلال وقطع العلاقات مع الكيان والتوجه نحو المقاطعة الاقتصادية ومتابعة قادة الكيان أمام محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية بسبب جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، حيث تحول إلى نظام منبوذ عالميا، كلها مؤشرات لما ينتظر نظام "الأبارتيد" الصهيوني.
وتوصيف الكيان الصهيوني بنظام "الأبارتيد" ليس توصيفا جديدا، أو أطلقه ناشطون داعمون للقضية الفلسطينية خلال الفترة الماضية، بل من طرف شخصيات جنوب إفريقية عاشت تجربة "الأبارتيد" وعانت من ويلاتها، وهنا يمكن أن نسرد تجربة دينيس غولدبرغ الذي حوكم مع نيلسون مانديلا في محاكمة ريفونيا (1963-1964) وأُطلق سراحه بعد 22 عاما في السجن، اختار الانتفاء أول الأمر إلى إسرائيل. بعد ذهابه إلى هناك، أعلن أن إسرائيل هي النظير الشرق-أوسطي للفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ثم غادر ليعيش في بريطانيا. وقد دعم حتى وفاته في 2020، حملة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل "ب.يدي.أس"، أو تجربة كبير الأساقفة ديزموند توتو، وهو شخصية بارزة في الكفاح ضد الفصل العنصري، وقد صرّح في منبر حر نُشر في جريدة "غارديان" في 29 أبريل 2002: "لقد تأثرت بشدة أثناء زيارتي للأراضي المقدسة، كم تذكّرت ما حدث لنا، نحن السود، في جنوب إفريقيا".
إن ما تعيشه اليوم دولة الكيان الصهيوني لا يختلف عما عاشه نظام "الأبارتيد" في جنوب إفريقيا، والقاعدة تقول إن نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج، وعليه فإن نفس الأسباب التي أدت إلى انهيار وزوال نظام "الأبارتيد" في جنوب إفريقيا هي نفسها اليوم بالكيان الصهيوني الذي يعيد نفس السياسات من فصل عنصري وبناء دولة على العرق والدين والحرمان من الحقوق وممارسة الإرهاب الفكري والعرقي والديني والجسدي.
لكن نظام الحماية الذي كثيرا ما استفاد منه الصهاينة على مدار عقود، بدأ يتفكك أمام ضغط الشارع في الدول التي توفر أصلا الحماية للكيان، ولعل ما يجري في الجامعات الأمريكية وخاصة جامعة كولومبيا وما تحمله هذه الجامعة من رمزية، لأكبر دليل على التحولات العميقة في المواقف ضد الكيان الصهيوني، ومظاهر الرفض للكيان سواء في الجامعات الغربية أو من خلال المسيرات الاحتجاجية في الشوارع عبر العالم أو طرد سفراء الكيان وتعليق بيع الأسلحة له، يعتبر السيل الذي سيجرف هيكل نظام الفصل العنصري بفلسطين المحتلة، والذي يتقاطع مع حلول العقد الثامن منذ قيام هذا الكيان، ومعلوم أن الصهاينة يؤمنون بما يسمون بلعنة العقد الثامن، وهي أن اليهود عموما أقاموا في فلسطين على مدار التاريخ القديم كيانين سياسيين مستقلين، وكلا الكيانين تهاوى وآل إلى السقوط في العقد الثامن من عمره، فهل سرعت الحرب على غزة حلول لعنة العقد الثامن والتي كانت الشرارة التي ستأذن ببداية نهاية الكيان الصهيوني؟.