دوفيلبان يضع حجرا في حذاء ماكرون

38serv

+ -

بينما يبدي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحفظا شديدا حول أية خطوة من جانبه تجاه الجزائر، تفسَر على أنها "توبة" عن ماضي فرنسا الاستعماري، وضع الوزير الاول ووزير الخارجية الأسبق دومينك دو فيلبان السلطات والطيف السياسي بفرنسا في حرج بالغ، لما حثَ الدولة على طلب الصفح من الجزائر عن جرائم الاحتلال.

وتكمن أهمية الدعوة التي صدرت عن دوفيلبيان، باعتبار أن صاحبها شخصية سياسية من الطراز العالي بات من النادر أن يوجد مثيل له في فرنسا. 

فالرجل لا يختزل فقط في كونه مارس مسؤوليات مرموقة (وزير داخلية وأمين عام بالرئاسة وسفير، إلى جانب توليه رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية كما انه شاعر وروائي)، وإنما رمزية مواقفه القوية التي شكلت علامة فارقة في مساره كرجل دولة وجعلت منه ايقونة في الانتصار للقضايا العادلة، ومن أبرزها على الإطلاق، خطابه الشهير في الأمم المتحدة المعارض بشدة للغزو الأمريكي للعراق في 2003، وحاليا موقفه المشرَف من المحرقة التي  يرتكبها الصهاينة في غزة، وإدانته الشديدة لسعي الاعلام الفرنسي المساواة  بين الضحية والجلاد، الأمر الذي جلب له سخط وعداء اليمين.

كلام دوفيلبان عن الاعتذار، جاء في سياق محاضرة ألقاها أمس الاثنين، بكلية علوم الاعلام والاتصال" بالعاصمة، حملت عنوان "المعطيات العالمية الجديدة"، حيث أكد لما سئل عن "قضية الاعتذار عن جرائم الاستعمار"، بأن رئيس جمهورية فرنسا "لايملك سلطة التعبير عن الاعتذار، لذا يجب في رأيي أن نجعل منه ماض مشترك، وخطوة بخطوة سنتقدم إلى الامام شعبا وقادة"، وفق ما نقله موقع الاذاعة العمومية.

ويفهم من كلام دوفيلبان أن ماكرون لايملك الحريَة للخوض في "مسألة الاعتذار من الجزائر"، وبأنه مقيَد بمنظومة مؤسساتية وسياسية، لا يوجد في قناعة رجالها ونسائها بأن فترة احتلال الجزائر كان جريمة ضد شعب دامت 132 سنة. وهذا التفكير وجد ترجمة له في "قانون 2005" الذي أصدره البرلمان الفرنسي، والذي تحدث عن "مزايا التواجد الفرنسي في شمال افريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20".

وأوضح الوزير الاول الفرنسي سابقا، أنه "يعرف هذا الموضوع جيدا.. حيث كنت أمينا عاما بالإليزيه في عهد الرئيس جاك شيراك. وأنا أعلم أيضا أن هناك عقبات، قد تكون صعبة في بعض الأحيان، كقضية الاشتغال على الذاكرة". مشيرا إلى "أنني كنت في التاسعة من عمري.. كنت أتابع مؤتمرا عقده والدي في أمريكا اللاتينية حول حرب الجزائر، وأدركت تماما قيمة هذا التصرف". داعيا إلى "النظر إلى تاريخنا بشكل متكامل"، وحث البلدين على "التوصل إلى رؤية مشتركة"، بخصوص موضوع "الذاكرة".

وتناول دوفليبيان خطوات صدرت عن ماكرون بخصوص "إدانة الاستعمار"، من بينها اعترافه بمسؤولية الدولة في اغتيال المحامي الجزائر علي بومنجل،  واليساري الفرنسي موريس أدوان المناضل من أجل استقلال الجزائر. وقال بهذا الخصوص ان ماكرون "ذكر عددا معينا من الحالات.. ولكن جرائم الاستعمار لا يمكن محوها، وعلينا جميعا واجب الاعتراف بأن هذه الجرائم ارتكبت. لكن في بعض الأحيان، يستغرق الأمر سنوات للتأكد من صحة مواقف وحقائق معينة".

وبحسب رئيس الدبلوماسية الفرنسي الاسبق، "حان الوقت للتخفيف من حدة التجاوزات، مثل الكراهية، وذلك بتحويل أكبر قدر ممكن من القدرات (على إحداث تقارب بين البلدين) إلى حوار سياسي.. يجب علينا أن نقبل ماضينا بكل تعقيداته ، وأن نعزز قدرتنا على بناء مستقبل أفضل معًا".

وكان ماكرون حسم "مسألة الاعتذار"، خلال مقابلة مع مجلة "لوبوان" نشرت في 12 جانفي 2023. فقد صرَح أنه "ليس مضطراً لطلب الصفح"، وأن ذلك لا يمكن أن يشكل هدفا في تصوره للعلاقة مع الجزائر. وقال بهذا الخصوص:"أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن نقول: نحن نعتذر، وكلٌّ منّا يذهب لحال سبيله". معتبرا "عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب.. إنّه عكس ذلك تماماً". مضيفا بأن "أسوأ الحلول هو طلب الاعتذار؛ لأن كل طرف سيذهب، بعده، في طريقه ولن يكون الاعتراف الحقيقي بما حصل، بل تصفية حساب".