أيها الأولياء.. رفقا بأبنائكم في الامتحانات

38serv

+ -

تتحول البيوت الجزائرية تزامنا والامتحانات النهائية والفصل الثالث إلى "معسكر مغلق" الكل فيه يعاني، الأستاذ والتلميذ وحتى الأولياء الذين وجدوا أنفسهم أمام خيار التضحية بعطلتهم السنوية أو الحصول على عطلة مرضية، في سبيل مرافقة أبنائهم خلال فترة الاختبارات من أجل الظفر بأعلى العلامات، خاصة في ظل صعوبة ونقائص برامج الجيل الثاني للأطوار. 

"أنهكتنا المنظومة التربوية.. قلق وتوتر، لا نوم ولا راحة".. هكذا عبّرت ولية تلميذ بمتوسطة العقيد عثمان في حيدة بالجزائر العاصمة عن قلها من فترة الامتحانات، ما اضطرها للحصول على عطلة مرضية لمدة أسبوع من أجل مرافقة أبنائها الثلاثة أحدهما بصدد التحضير لامتحان شهادة التعليم المتوسط.

 

معركة شرسة

 

أفادت ولية التلميذ: "ما إن تكون الامتحانات على الأبواب حتى يشعر التلاميذ وأولياؤهم أنهم في فترة من الكوابيس المزعجة أو في معركة شرسة، أما الخروج منها بسلام أو جر أذيال الهزيمة، لذلك فهم مجبرون على مرافقة أبنائهم من أجل قطف ثمار النجاح بعد عام طويل من الدراسة.

إن كانت محدثتنا اضطرت للحصول على عطلة مرضية خلال فترة الامتحانات، وجدت أم تلميذة أخرى بنفس المؤسسة التعليمية نفسها أمام خيار التضحية بجزء من عطلتها السنوية لمرافقة فلذة كبدها المقبلة على شهادة التعليم المتوسط أيضا.

تقول الأم "الأولياء يتخبطون في واقع المدرسة الجزائرية بين تحسين المستوى والانتقال، ما جعلهم  يغرقون في الدروس الخصوصية، الأمر الذي خلق نوعا من الضغوطات للتلميذ والأولياء على حد سواء.. فهذه السنة مثلا قائمة أجندتي اليومية سقطت منها حتى الزيارات العائلية بسبب ابنتي التي ستجتاز امتحان شهادة التعليم المتوسط".

كما يرى البعض أن هاجس النتائج الدراسية خلق المنافسة المرضية بين الأقارب والجيران، "فبعض الآباء والأبناء ينتابهم الخجل وعدم الرغبة في مواجهة المحيطين بهم، الذين يولون هذه النتائج أهمية بالغة، مما يسبب حرجا كبيرا للآباء والأمهات خاصة في حالة الرسوب أو عدم تحصيل نتائج جيدة".

 

بوديبة: "المطلوب فتح نقاش علمي أكاديمي حول المنظومة التعليمية"

 

في الموضوع، يقول الأمين الوطني المكلف بالإعلام بالمجلس الوطني المستقل لأسلاك التربية، مسعود بوديبة "أن الضغط والقلق على مستوى التلاميذ والأساتذة أو حتى الأولياء خلال فترة الامتحانات   تضاعف لدرجة أنه تحول إلى هاجس يصعب التحكم فيه".

ويضيف "والدليل أنه أصبح يؤثر بشكل مباشر على نتائج التلميذ وعلى مصداقية العملية التقييمية، وهو أحد الأسباب الرئيسية في تفشي ظاهرة الغش والتسريب.. تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة. وهي ظاهرة سبق لنا وأن نبهنا لتفاقمها.. مطالبين بفتح نقاش علمي أكاديمي حول المنظومة التعليمية عامة والمنظومة التقييمية خاصة".

ويتابع بوديبة، أن التلميذ يعيش تحت وطأة ضغوطات تراكمية تنطلق مع كثافة المواد والمحتويات التعليمية، نزولا إلى الشبكة التقييمية المثقلة مرورا بالقواعد الٱمرة والضاغطة العائلية والمجتمعية على التلميذ، ناهيك عن تداعيات المنظومة التوجيهية والتي لا تتطابق وملمح وقدرات التلميذ.

ويواصل "يحدث كل هذا والتلميذ محروم من توازن وقتي لراحته وتجديد طاقته، وما زاد الوضع تعقيدا هو تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية عبر جميع المراحل التعليمية وفى كل المواد"..

هذا الوضع يستدعي، حسب محدثنا، تجنيد الجميع وتكثيف المساعي الرامية لإحاطة التلميذ بأجواء نفسية مريحة، بعيدا عن سياسة التجريم والتشويه والضغط والمحاصرة، مضيفا: "نحن نقابة كنابست نشدد أن الدور تكاملي بين الأستاذ والأولياء.. لأجل تحضير أبنائنا والتكفل بهم ومعالجة مختلف الاختلالات والنقائص والعوائق التي تحيل دون نجاهم".

 

الامتحانات أصبحت هدفا للأسرة بأكملها

 

من جهتهم، يحذر المختصون في علم النفس، من تحويل الجو الأسري والدفء العائلي إلى جو دراسي أو قسم آخر يشعر فيه الطفل بعدم الأمان والراحة والقلق والتوتر، مما يخلق اضطرابات نفسية شديدة تعيق مساره الحياتي فيما بعد. ويرون أن اتخاذ الآباء والأمهات أسلوب الضغط مع أبنائهم له آثار نفسية كبيرة ومباشرة على نفسيتهم ومسارهم الدراسي، كما أن القلق والخوف والتوتر الذي يعيشه الآباء ينتقل آليا إلى الأبناء.

وحول هذه النقطة، أوضحت الأخصائية النفسانية ومديرة مركز البحوث والتطبيقات النفسانية، الدكتورة سميرة فكراش، أن اتباع أسلوب الضغط الذي يندرج ضمن أسلوب المعاملة السالبة له آثار سلبية على شخصية ونفسية الطفل وحتى الآباء.

وأضافت "للأسف الامتحان أصبح هدفا بالنسبة للأسرة الممتدة أو الصغيرة، الكل فيها يتنافس على من سيمارس الضغط أكثر على التلميذ، ونتناسى القدرات الفردية الموجودة عند كل تلميذ وميولاته الفردية واهتماماته المعرفية والدراسية".

ودعت فكراش الأولياء لطرح السؤال الآتي على أنفسهم: "إلى أي درجة يمكن للتلميذ أن يتحمل الضغط خلال فترة الامتحانات منذ السنة الأولى ابتدائي، وكيف سيتعامل معه في تخطي عتبة البكالوريا؟، مؤكدة على أن الهدف من التعليم اكتساب المعرفة وليس الحصول على العلامة فقط".

وترى المختصة النفسانية أن الأبناء غير ملزمين بتحقيق ما لم يحققه آباءهم خلال مشوارهم التعليمي، وبالتالي حان الوقت لتغيير طريقة المعاملة طيلة السنة الدراسية باتباع أسلوب يتميز باحتواء الطفل نفسيا،  وعدم الإلحاح عليه وحثه على المثابرة وتدعيم ثقته بنفسه دون توبيخ وضغط، والتعامل مع قدراتهم بكل موضوعية.

ورغم هذه الآثار على الطفل، لا ننسى، تقول الدكتورة فكراش، آثاره السلبية على الوالدين والمتمثلة في القلق والعصبية والإرهاق النفسي الذي قد يتحول فيما بعد إلى أمراض نفسية وجسدية .... حيث يولد هذا الأخير نمط العيش بالعصبية والعنف والتشنج، ما يعيق عملية التواصل بين أفراد الأسرة ويفتح لنا الأبواب على آفات وظواهر اجتماعية أخرى كالتشرد والهروب المدرسي، خاصة إذا تزامن الأمر مع مرحلة المراهقة.