38serv
انتقد المخرج بشير درايس استمرار سياسة التخبط في نفس المشاكل التي تعاني منها السينما الجزائرية لسنوات أخرى، رغم وجود النية من رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة لتطوير القطاع، وطالب درايس بضرورة إنشاء قناة سينمائية متخصصة، وتجهيز القاعات تقنيا، واختيار الأشخاص المناسبين لتحسين الوضع العام للسينما فيالجزائر. واعتبر درايس، في حواره مع "الخبر"، على هامش الطبعة الرابعة من مهرجانإمدغاسن السينمائي الدولي، أن الجزائر بلد السينما لكنها، للأسف، لا تملك قناة سينمائية.
بعد فترة من العروض الشرفية لفيلم العربي بن مهيدي، أكيد أنك أخذت فكرة جيدة عن انطباعات النقاد والمؤرخين في الجزائر؟
هناك من انتقد الفيلم من بعيد ومن قريب داخل الجزائر، لكن في مجملهم أعجبوا بالفيلم من كل النواحي، في انتظار النقاد العالميين بعد الجولة التي سنقوم بها بدءا من شهر أكتوبر القادم.
هل طرح مشكل المصادر التاريخية في فيلم العربي بن مهيدي أم لا؟
يجب الإشارة إلى نقطة مهمة وهي أنه بعد مرور سنوات، مازال هناك من لا يفرق بين الفيلم الوثائقي والسينمائي، هذا الأخير هو فيلم إبداعي ومفروض عليك احترام التاريخ،من خلال احترام الشخصية الرئيسية وكل الجوانب التي تحيط بها، على عكس الفيلم الوثائقي الذي يلزمك بالتطرق لكل الجوانب مع احترام كل الجزئيات، بينما في أفلام السينما لست مقيدا باحترام تلك الجزئيات.
يوصف الفيلم على أنه فيلم مغاير للأفلام الثورية التي عرضت من قبل؟
الفيلم جاء برؤية جديدة تعتمد أكثر على الموضوعية في الطرح، لأننا لم نكن حاضرين في الثورة على عكس عدد من المخرجين الذين عايشوها، وهناك جيل جديد يتناول الثورة بنظرة سينمائية فيها الكثير من الجمالية، ولا يجب أن نهمل ذوق المتفرج الذي تغير في عصر الإنترنت، المشاهد الحالي يبحث عن أفلام جزائرية تشبه الأفلام العالمية بديكورات وملابس وغيرها، والجيل الجديد من المخرجين لا ينتابهم الخوففي المعالجة، وفي الأفلام المقدمة للجمهور، نحن نتصور الثورة بطريقة سينمائية على عكس المخرجين الذين عاشوا الثورة، وهو الاختلاف الذي حمله فيلم "العربي بن مهيدي"، حيث حاولت أن أتكلم عن الجانب الإنساني لهؤلاء الشهداء وهؤلاء القادة بعيدا عن الحروب والمعارك، وحاولت أن أتطرق في الفيلم لشخصية العربي بن مهيدي كإنسان، من هو، أين درس، لماذا التحق بالثورة، وهو مطلب عشاق الفن في هذا الجانب، لأنه لأول مرة يتعرف الجمهور الجزائري على جوانب أخرى للثورة، بما فيها الجانب السياسي الذي لم تتم معالجته من قبل، وكلنا يعرف جيدا أن القادة في تلك الفترة كانوا يحملون مشاريع وأفكار مختلفة، والاختلاف لا يجب أن ننظر له بطريقة سلبية، وقادة الثورة اختلفوا وهذا دليل آخر على أن الثورة كانت قوية، وأنا أعتقد أن تلك الاختلافات في المشاريع والأفكار هي التيوقفت وراء تلك الثورة العظيمة، فمثلا "أحمد بن بلة" أو "عبان رمضان" كل واحد كان يحمل مشروعا خاصا به، لكن الهدف كان واحدا ووحيدا، وهو الاستقلال.
هل من توضيح في هذا الشق؟
الثورة الجزائرية ساهم فيها جميع الجزائريين في حقبة الاستعمار الفرنسي، كما أنها لم تكن في الجبال فقط، فالجزائر كانت تملك سياسيين في كل العالم، وكانوا يشتغلون في الخفاء لنصرة قضية واحدة، ومن غير المعقول بعد مرور أكثر من 60 سنة على الاستقلال مازلنا ننظر للثورة على أنها عمل مسلح فقط، في حين وفي كل الثورات الجانب المسلح هو جناح لمشروع ثورة، فنظرتنا يجب أن تتغير لأنه كان هناك رجال ينشطون في العالم أهملناهم، وهم من أوصلوا القضية الجزائرية للمحافل الدولية وهيئة الأمم المتحدة، وأظن أننا ظلمنا هذه الفئة التي ساهمت هي الأخرى في الثورة، وحان الوقتمعوجود جيل جديدأن يتطرق لتلك الجوانب.
الفيلم بعد تحريره، مقبل على عملية توزيع في دول عالمية، ما الجديد في هذا الأمر؟
الفيلم منذ شهر فقط كان متوقفا، ونحن لم نرد حرمان المهرجاناتالجزائريةومتابعيها من مشاهدة الفيلم، لأننا نعلم جيدا أن هناك قلة في إنتاج هذا النوع من الأفلام، لكن هناك برنامج مسطر لخرجات دولية في شهر أكتوبر القادم.
ما يعرض في المهرجانات الجزائرية حاليا، هل ترى أنه ساهم في الترويج للسينما الجزائرية؟
المشكل في الجزائر ليس مشكل مهرجانات، لأنه من السهل إقامتها، لكن من الصعب إيجاد قاعات سينما، لأن أغلبها لا تتوفر على أجهزة العرض الصحيحة، كما أننا لا يمكن أن ننتظر نجاحا للسينما الجزائريةونحن لا نملك صناعة سينمائية ولا دعما مستمرا ولا وجود لاستقرار المخرجين الجزائريين، فمرة تجده يشتغل على فيلم في الجزائر ومرات هو خارجها بسبب بعض العراقيل، إضافة إلى ذلك، نلاحظ غياب التمويل من المؤسسات والهيئات المعنية.
عدد معتبر من المهتمين بالسينما لمسوا نية صادقة من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبونلتحسين وضع السينما من خلال عدة إجراءات، لكن أمورا كثيرة لم تتغير بعد ذلك،لماذا برأيك؟
نحن لا ننكر تلك القرارات وتلك النية والرغبة، لكن يجب أن يتبعها اختيار سليم للأشخاص المناسبين لتحسين ظروف السينما في الجزائر، وأنا شخصيا لم ألمس أي تغيير منذ أربع سنوات، حيث بقيت قاعات السينما غير مجهزة تقنيا، كما أننا لا نتوفر على سوق سينمائية، والأدهى من ذلك أن الجزائر بلد السينما وهي لا تملك قناة سينمائية متخصصة، فأنا مازلت مندهشا ما الذي ينقصنا حتى ننشأ قناة سنيمائية تتكلم عن الأفلام وتنظم حصصا وبرامج بحضور النقاد والمختصين؟
مشكل آخر يرى البعض أنه يؤرق صناعة وإنتاج عدد معتبر من الأفلام السينمائية في الجزائر، وهو العنصر البشري المؤهل؟
فعلا، هذا مشكل آخر مطروح في إنتاج أفلام سينمائية،فنحن بحاجة إلى مدارس مختصة في التكوين، فالفرق التقنية الحالية الموجودة في الجزائر تشتغل على فيلم أو إثنين، وبعدنكون مرغمين على الاستعانةبفرق أجنبية من إيطاليا، تونس، فرنسا، فهي غير كافية في نظري، كما أننا لا نملك إنتاجات مشتركة للتخفيف من هذا النقص، والحل، في اعتقادي،يكمن في برمجة جلسات وإجراء دراسات لإنهاء الجدل القائم حول أمور كثيرة تحيط بواقع وآفاق السينما في الجزائر.