38serv
عقب الانتخابات الأوروبية التي جرت من 6 إلى 9 جوان الحالي، لم تكن فرنسا وحدها المتأثرة بصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة. ففي عدة دول أوروبية كبيرة، تتقدم التشكيلات ذات النزعة القومية والمشككة في الاتحاد الأوروبي، لكن هناك أيضًا بعض المفاجآت.
ويقدم هذا التقرير الذي أعدته إذاعة فرنسا الدولية، نظرة شاملة عن الوضع السياسي الجديد الذي أفرزته الانتخابات:
ألمانيا: تصويت عقابي لأولاف شولتس
في ألمانيا، لم يحصل الحزب الاجتماعي الديمقراطي على نتيجة متدنية، منذ فترة ما بعد الحرب على المستوى الوطني. رغم ذلك، كان أولاف شولتس زعيمه، موجودًا في العديد من ملصقات الحزب. هذا الفشل – 14 بالمائة هو أيضًا فشله كمستشار لألمانيا. المسؤولون في الحزب، رغم مرارتهم، يريدون تجنب تصفية الحسابات. بشكل أوسع، التحالف الحاكم غير محبوب للغاية ومعاقب. الخضر، الذين حصلوا على نتيجة تاريخية في الانتخابات الأوروبية الأخيرة في 2019، يفقدون 40 بالمائة من ناخبيهم.
الليبراليون يبقون مستقرين
ويتصدر الديمقراطيون المسيحيون بشكل كبير بنسبة 30 بالمائة من الأصوات، ويجمعون تقريبًا نفس عدد أصوات الأحزاب الثلاثة الحاكمة.
ومن النتائج المباشرة للانتخابات، أن الأمين العام للحزب الديمقراطي المسيحي أولاف شولتس، لم يعد يتمتع بالشرعية اللازمة لحكم البلاد، وبالتالي بات مسألة الثقة مطروحة.
وإن لم يصل اليمين المتطرف إلى النتيجة المتوقعة في بداية العام، لكنه ارتفع من 11 بالمائة إلى 15 بالمائة في عام واحد، على الرغم من الفضائح التي لاحقته خلال الحملة.
ويتصدر الحزب في شرق البلاد حيث سيتم التصويت في ثلاث مناطق في سبتمبر المقبل، ويأمل في الحفاظ على هذا المركز بحلول ذلك الوقت.
النمسا: اليمين المتطرف يستهدف الانتخابات التشريعية في سبتمبر في النمسا، الحزب اليميني المتطرف تصدر الانتخابات الأوروبية، بنسبة تزيد قليلاً عن 25 بالمائة من الأصوات، وفقًا لتقرير إذاعة فرنسا الدولية.
وبذلك تفوق على المحافظين (24.7 بالمائة)، الاجتماعيين الديمقراطيين (23.3 بالمائة)، الخضر (10.9 بالمائة)، والحزب الليبرالي نيوس (10.1 بالمائة).
وحقق الحزب تقدماً يزيد عن 8 نقاط مقارنة بنتائجه في 2019 (آخر انتخابات أوروبية) وهو يفكر في الانتخابات التشريعية المقبلة في سبتمبر، وفق قراءات محللين في النمسا.
وخلال الحملة، لم يتوقف الحزب اليميني المتطرف عن لوم وانتقاد الاتحاد الأوروبي، كلما أمكنه ذلك. ووفقًا لهارالد فيليمسكي، رئيس قائمة الحزب، فإن هذا الخطاب هو الذي أقنع الناخبين.
ويقول إنه يريد أن يرى في نتائج أمس الأحد، النجاح الأول في سلسلة طويلة من النجاحات، مؤكدا: "عندما أسمع تصريحات تفيد بأن أغلبية كبيرة من النمساويين، يريدون الآن المزيد والمزيد من أوروبا، أعتقد أن البعض لا يستخلصون النتيجة الصحيحة من هذه الانتخابات. أعتبر نتائجنا تفويضًا لمواصلة الدفاع عن نموذجنا الأحمر-الأبيض- الأحمر في بروكسل، لإعادة الصلاحيات إلى النمسا ولتمكين المزيد من الديمقراطية المباشرة."
ويركز الحزب حاليا على الانتخابات التشريعية، المقررة في سبتمبر المقبل، مع الأمل في الفوز مرة أخرى، كما تشير إليه الاستطلاعات منذ عدة أشهر. دول البلطيق: القوى السياسية التقليدية في المقدمة لا توجد مفاجأة كبيرة في دول البلطيق بخصوص نتائج الانتخابات الأوروبية: فدول المنطقة الثلاث مجتمعة تحتل 27 مقعدًا في البرلمان، والقوى السياسية التقليدية فازت في الانتخابات.
وقد كانت المشاركة الضعيفة، خاصة في ليتوانيا بنسبة 28 بالمائة، وهي المفاجأة الكبرى في هذا الاقتراع. وتشير التقديرات إلى أن الدول الثلاث، سترسل في الغالب محافظين واجتماعيين ديمقراطيين إلى البرلمان الأوروبي، جميعهم نواب يتمتعون بخبرة طويلة في بروكسل وستراسبورغ. ولا يوجد تقدم للأحزاب اليمينية المتطرفة، ولا للأحزاب المؤيدة لروسيا علنًا.
حزب التقدميين الذي ظهر حديثًا على الساحة السياسية في لاتفيا، يدخل البرلمان الأوروبي. سيرسل اللاتفيون أيضًا رينيس بوزناكيس، الأوروبي لعام 2022، الذي نظم قافلة مركبات لأوكرانيا عبر شبكة تويتر.
وفي ليتوانيا سيكون أحد النواب الأحد عشر هو بيتراس غرازوليس، الذي تم عزله قبل عام للتصويت نيابة عن نواب آخرين، وأصبح غير مؤهل للانتخابات لمدة عشر سنوات، لكنه لم يُمنع من أن يُنتخب نائبًا في البرلمان الأوروبي. ومع ظهور تركيبة البرلمان الجديد، سيناقش البلطيقيون بالفعل من سيكون المفوضون القادمون من إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.
المحافظون والاشتراكيون على قدم المساواة
في إسبانيا في إسبانيا، تميز الاقتراع بفوز قصير للمحافظين من حزب الشعب، على الاشتراكيين. حصل حزب الشعب على 22 مقعدًا مقابل 20 مقعدًا للحزب الاشتراكي، وحزب اليمين المتطرف "فوكس" ضاعف حصته حيث ارتفع من 3 إلى 6 نواب.
المفاجأة في هذا الاقتراع هي ظهور تشكيل جديد مناهض للأحزاب، يسمى "الحفلة انتهت"، الذي يدخل البرلمان الأوروبي بثلاثة مقاعد. ولم يكن هناك انهيار لليسار، ولا انتصار ساحق للمحافظين، كما توقع زعيم اليمين، ألبرتو فييجو.
التصويت العقابي ضد حكومة بيدرو سانشيز لم يحدث، ولكن من الواضح أن اليمين الإسباني يستعيد بعض المساحة. وحصل حزب الشعب على نائبين أكثر من الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني. فوز قصير اعتبره اليمين نجاحًا. وبعد النتائج، أعربت الأمينة العامة لحزب الشعب كوكا غامارا عن سعادتها بهذا الانتصار، قائلة: "كان هدفنا الفوز في الانتخابات الأوروبية، وحققنا ذلك. فعلنا ذلك بإرسال رسالة واضحة جدًا: خطاب الخوف لا يعمل في إسبانيا، خطاب الانقسام هو الآن تاريخ قديم بالنسبة للإسبان، والأنانية الشعبوية لا تخدم بلدنا."
فوز الاشتراكيين في البرتغال
في البرتغال، فاز الحزب الاشتراكي في الانتخابات الأوروبية بنسبة 32.1% من الأصوات، متقدمًا على التحالف الديمقراطي للحكومة بنسبة 31.12 بالمائة. النقطة المهمة في الاقتراع هي تراجع حزب اليمين المتطرف "شيغا" الذي يدخل البرلمان رغم ذلك بنائبين.
وكان قد تنبأ بموجة عارمة، لكنه يكتفي بالدخول إلى البرلمان الأوروبي بنائبين. واعترف زعيم "شيغا"، أندريه فينتورا، بهزيمته قائلا "لم يحقق شيغا أهدافه، وأنا المسؤول. ولكن ابتداءً من الغد سنهاجم لتحقيق الفوز وتشكيل الحكومة في البرتغال."
النكسة لـ "فيدس" في المجر
في المجر، حزب "فيدس" اليميني المتطرف لرئيس الوزراء القومي، فيكتور أوربان يتصدر الانتخابات الأوروبية، لكنه يسجل تراجعًا ملحوظًا، وفقًا لمراسلتنا في بودابست، فلورنس لابرويير. وقد كانت النتيجة غير متوقعة لرئيس الوزراء المجري، الذي أعلن عن "انتخابات تاريخية" وتنبأ بفوز كبير لحزبه، الذي يحكم بدون منازع منذ 14 عامًا.
وصرح أوربان محتفلا بعد ظهور النتائج: "لقد فزنا!"، حيث حصل حزبه "فيدس" على 44 بالمائة من الأصوات. نتيجة تجعل العديد من الأحزاب في أوروبا تغار، لكنها تعتبر ضربة كبيرة: وكان "فيدس" حصل على نتيجة أفضل بكثير (52 بالمائة) في الانتخابات الأوروبية السابقة.
وبذلك يفقد مقعدين في البرلمان الأوروبي الجديد، حيث سيكون لديه 11 نائبًا بدلاً من 13.
الهزيمة لجيرت فيلدرز
في هولندا التحالف بين اليسار والخضر يفوز في الانتخابات الأوروبية في هولندا. فالحزب الشعبوي اليميني المتطرف يأتي في المركز الثاني. حزب "جيرت فيلدرز" صاحب النزعة الشعبوية، يحصل على نتيجة أقل من المتوقع.
الدول الاسكندنافية تسير بعكس التيار
مقارنة ببقية القارة ترسل السويد والدنمارك وفنلندا 49 نائبًا فقط، إلى البرلمان الاوروبي، فقط من أصل 720 نائبًا. لكن على عكس بقية القارة، سينضم أكثر من نصف ممثليهم إلى صفوف اليسار في البرلمان في ستراسبورغ. هذه هي المفاجأة الكبرى في هذه الانتخابات الأوروبية في الدول الاسكندنافية، حيث تسجل الأحزاب اليمينية المتطرفة (التي هي في السلطة في فنلندا والسويد) أولى هزائمها.
وكانت فرحة نشطاء البيئة هي اللحظة الأبرز في الليلة الانتخابية في السويد. حيث حصلوا على المركز الثالث بنسبة 13.8 بالمائة من الأصوات، خلف الأحزاب التقليدية الاشتراكية والمحافظة، وتفوقوا على الحزب الوطني الديمقراطي السويدي، الذي توقعت له الاستطلاعات المركز الثاني.
هذا يدل على أن مكافحة التغير المناخي لا تزال أولوية بالنسبة للسويديين، وهزيمة ساحقة لليمين المتطرف الذي يتراجع لأول مرة، حسب قراءات محللين في البلد.
وفي فنلندا المجاورة، كانت الهزيمة كبيرة: حيث فقد حزب "الفنلنديون الحقيقيون" اليميني المتطرف، والذي هو جزء من التحالف اليميني الحاكم، نصف ناخبيه، وجاء في المركز السادس، بينما حقق تحالف اليسار مفاجأة بحصوله على المركز الثاني، متقدماً على الحزب الاشتراكي، بنسبة 17.3 بالمائة من الأصوات. وفي الدنمارك، عاقب الناخبون اليساريون التحالف الوسطي الكبير لرئيسة الوزراء ميت فريدريكسن حيث أصبحت الأحزاب الحمراء- الخضراء، تحت راية الحزب الشعبي الاشتراكي، القوة السياسية الأولى في البلاد، وهو أمر غير مسبوق.