هل تسعى أوروبا لتكريس مبدأ "رابح – خاسر" مع الجزائر؟

38serv

+ -

هل يسعى ساسة الاتحاد الأوروبي إلى تعميق القضايا الخلافية مع الجزائر حينما اختاروا هذا التوقيت من أجل الاعتراض على التدابير المعتمدة من قبل السلطات العمومية في مجال ضبط التجارة الخارجية؟ فتحركاتهم الأخيرة تتناقض مع مساعي الجزائر للحفاظ على علاقات تعاون مع المؤسسة الأوروبية التي يبدو أنها لم تعد تثمّن مكانة الجزائر كشريك ومموّن موثوق لاحتياجاتها الطاقوية وخياراتها السيدة في مبادلاتها التجارية ..وهل الكيان الأوروبي صادق حينما رفع ورقة "الدفاع عن المستهلك الجزائري"؟

الاتحاد الذي أعلن انحيازه لحكومة مدريد في قضية سياسية بحتة في وقت قريب، عاد اليوم ليلوّح بضغوطات على الجزائر في خياراتها لإعادة التوازن لمواردها واحتياطاتها النقدية من جهة وتوجّهها لمعالجة مكامن الخلل في مبادلاتها التجارية الخارجية، ومما أضفى الكثير من الريبة على خرجة الاتحاد الأخيرة التلويح الأخير الذي يكون مدروسا بعناية – قبيل الانتخابات الرئاسية المسبقة - للرد على توجه الحكومة الجزائرية نحو إعادة تقييم بنود اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي، بُندا بُندا، وفق نظرة سيادية ومقاربة (رابح ـ رابح) على اعتبار أن المستفيد الوحيد من اتفاق الشراكة كان الاتحاد الأوروبي لقرابة عقدين.

فرغم التزام الجزائر بعلاقات تعاون جيدة مع المؤسسات الأوروبية (منذ بداية الحرب في أوكرانيا على وجه الخصوص) لم يمنعها ذلك من المطالبة بإعادة تقييم الاتّفاقية التي كانت لها تداعيات وخيمة على نسبة الاندماج في المشاريع التي استثمرت فيها شركات الاتحاد، كما أنها لم تفض إلى تحويل ملموس للتكنولوجيا.

وتطرح أيضا استفهامات حول تفعيل ورقة التحكيم بعدما اتضحت جدية الجزائر في تعديل الاتفاق الذي جعل البلاد سوقا للبضائع الأوروبية ومرتعا لشركات الاتّحاد بمزايا معاملة تفضيلية، تحفيزات ضريبية وإسقاط للتّعريفات الجمركية التي فتحت الباب واسعا أمام السّلع الأوروبية النهائية من ولوج السُّوق الجزائري، بل قضت تلك الاتفاقية، من ناحية أخرى، على بعض القطاعات الناشئة والنسيج الصناعي والكثير من الأنشطة التي فاتتها فرص الإنعاش والصمود بفعل ضعف تنافسيتها.

وتثار أيضا أسئلة حول الظرفية لتحريك هذا الملف، ولماذا جاء بعد نحو عامين من طرح اتفاق الشراكة على طاولة النقاش لمراجعة بنوده "بندا بندا"، مثلما دعا الرئيس تبون لذلك في وقت سابق كأمر مشروع قانونا ومطلوب سياسيا، من باب أن الاتفاق بعد قرابة 17 سنة من سريانه، لم يكن نذير شؤم على اقتصاد الجزائر فحسب، بل لم يكن، مثلما تم تصويره غداة التوقيع عليه في 2002 ودخل حيز التنفيذ في 2005، بأنه يرمي للحوار السياسي والتعاون والشراكة الاقتصادية بين الطرفين، لكنها ظلت مجرد أهداف على الورق، لأن ما جرى في الواقع أن "السلع الأوروبية دخلت إلى السوق الوطنية وغاب فيه الاستثمار".

فالاتفاقية التي دخلت حيز التجسيد عام 2005 خضعت إلى تقييم عدة جهات رسمية وغير رسمية، ومنها دراسة قامت بها الكنفدرالية الجزائرية لأرباب العمل المواطنين في عام 2020 وتوصلت إلى أرقام مفزعة حسب ما اطلعت عليه "الخبر".

لقد باعت الدول الأوروبية بضائع إلى الجزائر بقيمة إجمالية تبلغ 320 مليار يورو في ظرف 15 سنة فقط !! . في المقابل لم تتجاوز صادرات الجزائر نحو المجموعة الأوروبية 14 مليار يورو في الفترة ذاتها !!

وقد يدفع هذا التحرك الأوروبي الجزائر إلى تسريع عملية المراجعة لهذا الاتفاق الذي وقّع وفقا لمنطق التفاوض الفردي مع دول شمال إفريقيا من جهة، وفي ظل هشاشة كبيرة كانت الجزائر تعيشها غداة بدء التفاوض بشأنه.

 

كلمات دلالية: