اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.. هل آن الأوان لإصلاح الوضع؟

38serv

+ -

يعود ملف اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي ليطرح مجددا، هذه المرة ضمن معطيات تحيط بها المصالح الاقتصادية والمواقف السياسية كذلك، بين تجاذب وتباين وجهات نظر طرفي العلاقة، تفرض على الجزائر في نهاية المطاف بذل كل المساعي من أجل إصلاح الوضع آخذة المصلحة الوطنية في خانة أولى أولوياتها.

 في هذا الشأن، قال الخبير المالي والاقتصادي، بوبكر سلامي  في تصريح لـ "الخبر"، إنّ اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي وقّعت في ظروف استثنائية، فقد كانت الجزائر آنذاك في موقع ضعف، بينما لم تأخذ الدراسة الموضوعة بعين الاعتبار نقاط مهمة أبرزها الحفاظ على المصالح الاقتصادية للجزائر، فالتوازن بين الطرفين لم يكن حاضرا ولا يزال غائبا إلى اليوم، فالكفة مائلة لصالح الاتحاد الأوروبي.

 وبناء على هذا، أشار المتحدث، إلى منح هذه الاتفاقية امتيازات لانتقال السلع بين الجانبين، فإنّ ارتفاع كميات شحنات واردات الجزائر وانخفاض صادراتها خارج المحروقات (تخضع لتسعيرات وبورصة خاصة) جعل دول الاتحاد الأوروبي تحصد ثمارا على حساب الطرف الجزائري على مدار السنوات، تراوحت تقريبا بين 20 إلى 30 مليار دولار، قبل أنّ يقول "مهما كان الرقم فإنّ اختلال التوازن بين طرفي الاتفاقية واضح جليا".

 وذكر سلامي بأنّ تحركات الجزائر خلال السنوات الماضية، خاصة بعد تولي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الحكم، جاءت بهدف استرجاع نوع من التوازن، من خلال إعلان الرغبة لمراجعة بنود وشروط الاتفاقية، وبالتالي الحفاظ على مصالح الطرفين، فكل اتفاقية اقتصادية ـ يضيف ـ ينبغي أن تكون ضمن مبدأ رابح/رابح، مشددا على أنّ مراجعتها في الوقت الحالي أصبح أكثر من ضرورة.

وفي سياق تعليل ما ذهب إليه، أشار الخبير إلى تغيّر الوضعية الاقتصادية للجزائر، فضلا عن المواقف الجيوسياسية والدبلوماسية، وهي مجموعة مؤشرات تضعها في موقف مناسب لحماية مصالحها والدفاع عليها بقوة، وبالتالي ينبغي على الطرف الجزائري، كما قال، استغلال موقع القوة بمنطق الند للند في جولات التفاوض والحوارات لإصلاح الأخطاء السابقة، فضلا عن تقديم ملف ثقيل بمبررات لا يمكن رفضها من قبل الطرف الآخر.

 وعلى هذا الأساس، توقع بوبكر سلامي أنّ مراجعة الاتفاقية مجرد وقت ليس إلاّ، قبل التوصل لنقطة اتفاق ترضي الطرفين، إذ لا يعقل الاستمرار في فرض شروط على أطراف تغيّرت جميع معطياتهم، خاصة بالنسبة للجزائر باعتراف كثير من دول الاتحاد الأوربي ممن تربطها بالجزائر علاقات ثنائية يمكن استثمارها في هذا الاتجاه.

 وخلال تطرقه إلى الخطوات العملية لبلوغ هذا المسعى، أوضح الخبير الاقتصادي بأنهّا تقوم مبدئيا على إبداء الجزائر رغبتها في مراجعة بنود الاتفاقية وتقديم ملف كامل يحتوي على كل المبررات والأسباب لقبوله، بالإضافة إلى بدائل عن البنود المعنية بالمراجعة وكذا تصوّر الجزائر لها، متوقعا بأن يلي ذلك لقاءات وأشواط من المفوضات ودراسة معمقة للأسباب من طرف الجانب الأوروبي، وعلى الرغم من أنّ سلامي لم يستبعد أن تأخذ العملية وقتا، إلاّ أنّه توقع إتمام عملية المراجعة في نهاية المطاف فكل الأرقام والمؤشرات تدعم موقف الجزائر، وبالتالي فالاستمرار في تنفيذها يعني مواصلة استنزاف الخزينة العمومية (الامتيازات الجبائية والشبه جبائية) لصالح الطرف الأوروبي.

 ومن جانبه، رجع الخبير في الشأن الاقتصادي، عبد الرحمان عية، بالتاريخ إلى ظروف توقيع الجزائر لهذه الاتفاقية، خلال مرحلة ميّزتها خروج الجزائر من "إصلاحات" صندوق النقد الدولي، ووضع سياسي متشنج، جعلها تسير نحو "الانفتاح" على الأسواق الدولية على حساب مصالحها الاقتصادية، ترجمت وقتئذ من خلال هذه الاتفاقية، فضلا عن المسار الماراتوني لانضمام الجزائر لمنظمة التجارة العالمية.

 ولم يجد محدثنا بدا من استبعاد كون تعامل الطرف الأوروبي مع هذه الاتفاقية بريئا، في هذه المرحلة بالذات، فهي لا تخلو من معطيات وإسقاطات سياسية، فقد أشار عية في هذا الاتجاه، إلى أنّ اتفاق الشراكة وقع سنة 2005 على أن التطبيق النهائي سيكون سنة 2015، توالت إثره قرارات التأجيل إلى 2017 ثم 2020 وبعدها 2021، وبالتالي فأي توجه يخرج عن هذا الإطار قد يرتبط بموقف الجزائر بشأن القضايا الكبرى وعلى رأسها دعمها للقضية الفلسطينية، موازاة مع قراءات أخرى قد تخص مساعي انضمام الجزائر الأخيرة لمجموعة البريكس.

 وذكر عية، من الناحية المقابلة، بأن الطرف الأوروبي يخل بما تنص عليه بنود الاتفاقية، لاسيما في شقها المتعلق بحرية انتقال الأشخاص، مشيرا إلى ملف منح التأشيرات للجزائريين، بالإضافة إلى عزوف دول المجموعة الأوروبية عن المضي في استثمارات كبيرة في الجزائر، على الرغم من أن محدثنا اعترف بوجود بعض الصعوبات في هذا المجال، أبرزها استفحال البيروقراطية وضعف الرقمنة، واكتفى الاتحاد الأوروبي بدلا من ذلك بتحويل الجزائر إلى مجرد سوق لاستيراد "أي شيء".

 وفي رده عن السؤال أيهما أفضل المراجعة أم الإلغاء؟ قال الخبير الاقتصادي إن إلغائه أولى ولكن ليس بشكل نهائي، بل لإعادة صياغته بشكل كامل على ضوء المعطيات الحالية، من منطلق أن المراجعة الجزئية قد تبقي بعض الآثار السلبية للاتفاق الأول.

 

كلمات دلالية: