38serv

+ -

كثف الكيان الصهيوني منذ بداية العدوان على غزة عمليات الاغتيال لقادة وكوادر تنظيمات المقاومة الفلسطينية وحزب الله اللبناني، فضلا عن قيادات عسكرية واستخبارية إيرانية في سوريا، آخرها رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، إسماعيل هنية، واستهداف القيادي في حزب الله فؤاد شكر، وسط المأزق الاستراتيجي الذي يواجهه الكيان والذي يدفعه إلى ممارسة "إرهاب الدولة" بغطاء وحماية غربية.

تتمدد جغرافيا عمليات الاغتيال الصهيونية من الأرض ومن الجو إلى رقعة واسعة لتغطي مناطق في أوروبا ولتصل إلى عمق إفريقيا في السودان ودول الساحل وتتوسع شرقا حتى إيران ودول آسيا الوسطى.

ولم تقتصر الاغتيالات على قيادات ميدانية داخل غزة والضفة الغربية، بل تجاوزتها لتشمل قيادات سياسية وعسكرية في الخارج، كان في مقدمتهم صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ورفاقه، إضافة إلى قيادات في حزب الله وفيلق القدس.

ويطرح انتهاج الكيان سياسة الاغتيالات، في ظل الحرب العدوانية الممارسة في قطاع غزة وحتى الضفة الغربية على أساس الادعاء بتحقيق أمن الكيان المزعوم، العديد من نقاط الظل، لاسيما أن الكيان ظل يمارس "إرهاب الدولة" ضد من يعتبرهم خصوما ومصدر خطر منذ إنشاء الكيان واستفاد دوما من الغطاء والحماية الغربية لشرعنة عمليات الاغتيال المستهدفة، سواء في الداخل الفلسطيني أو في الخارج، حيث طالت أيادي الغدر الصهيونية نحو 150 من القادة والكوادر من مختلف التشكيلات والقوى الفلسطينية وكذا العربية منذ 1956 وإلى الآن. وكانت هذه السياسة المعتمدة من قبل الكيان هي في الواقع امتداد لممارسات العصابات الصهيونية بتشكيلاتها "الهاغانا والارغون وشتيرن أو ليحي" التي امتهنت القتل والاغتيال حتى قبل 1948، أي قبل الإعلان عن إقامة الكيان، كما حدث في اغتيال عصابة شتيرن لكل من اللورد موين، وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط عام 1944، والكونت فولك برنادوت، المبعوث الأممي للقضية الفلسطينية.

وامتدت سياسة الاغتيالات الصهيونية عبر سبعة عقود من الزمن لتشمل قائمة كبيرة من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية وحزب الله وكثيرا من الشخصيات التي يعتقد أن لها دورا ما في دعم القضية والمقاومة الفلسطينية حتى من غير الفلسطينيين، على غرار علماء إيرانيين وعرب.

وتمادى الكيان في ممارسة سياسات الاغتيال، التي برزت في أعقاب حرب 1967 بالخصوص، على غرار اغتيال في باريس في ديسمبر 1972 محمود أحمد حمدان الهمشري، أول سفير لمنظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا، وهو من المناضلين الأوائل في حركة فتح. وفي أفريل 1973، اغتيل محمد يوسف النجار المعروف بـ"أبو يوسف النجار"، أول قائد عام لقوات العاصفة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما اغتيل المناضل الجزائري الداعم للقضية الفلسطينية محمد بودية في باريس في جوان من نفس السنة، كما اغتيل في جانفي 1991 صلاح مصباح خلف (أبو إياد) في قرطاج، وهو أحد مؤسسي حركة تحرير فلسطين (فتح) وقائد الأجهزة الأمنية الخاصة لمنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، وطالت الاغتيالات الغادرة فتحي الشقاقي، رئيس منظمة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في أكتوبر 1995 في مالطا، وفي 1996 اغتيل يحيى عياش الملقب بالمهندس، وهو عضو في منظمة حماس في قطاع غزة.

ولجأ الكيان إلى الاغتيالات خلال الانتفاضات الفلسطينية بداية بانتفاضة الحجارة (1987-1993) والثانية (2000-2005)، ومست الاغتيالات قيادات المقاومة ورموز التنظيمات الفلسطينية، على غرار اغتيال خليل الوزير أبو جهاد، أحد مهندسي الانتفاضة الفلسطينية، وتم ذلك في حي سيدي بوسعيد، شمال شرق العاصمة تونس في عام 1988، كما اغتيل بفلسطين عبد العزيز الرنتيسي أحد مؤسسي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في أفريل 2004، واغتيل قبله في مارس 2004 الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وزعيمها بغزة.

وامتدت جغرافيا الاغتيال الصهيوني إلى عدد كبير من الدول منها فرنسا وإيطاليا واليونان وقبرص ومالطا والنرويج وأوغندا وماليزيا وإيران ولبنان وتونس والسودان والإمارات وسوريا والعراق، بل لجأ الكيان عام 2002 إلى إقرار تشريع عمليات الاغتيال قانونيا في سابقة على مستوى العالم، وتم تغليف القانون بـ"ضوابط" لم يراعها الكيان أبدا في الواقع، مثل أن يكون اعتقال الشخص المستهدف أمرا غير ممكن عمليا وعدم تنفيذ اغتيالات داخل الكيان والالتزام بمبدأ التناسب في تنفيذ الاغتيال لتجنب إيقاع أضرار جانبية واشتراط موافقة رئيس الوزراء ووزير الدفاع.

وسعى الكيان إلى تبني عمليات الاغتيالات المستهدفة للتخلص من الخصوم الذين يعتبر أنهم مصدر تهديد له ومن باب الانتقام وترسيخ الردع، من خلال الإيهام عبر رسالة مفادها أن يده طويلة يمكن أن تطال أي شخص يعمل ضده وترميم "قوة الردع" والسعي لرفع معنويات الصهاينة بقدرة الكيان على تحقيق الأمن ونيله من كل من يهدد أمنهم، مقابل إضعاف المقاومة باستهداف قياداتها.

يحدث ذلك في وقت يواجه نتنياهو أزمة عنيفة وغير مسبوقة في ظل الإخفاقات المتعددة لحكومته التي تشكلت في نهاية عام 2022 وفشل استراتيجيته للقضاء على المقاومة والعجز عن تحقيق الأهداف التي حددها بنفسه للحرب العدوانية الحالية، وهي القضاء على حماس والمقاومة وتحرير الأسرى وضمان عدم تكرار هجوم السابع من أكتوبر 2023 بعد مرور قرابة 10 أشهر على بدئها.

وتأتي أزمة حكومة الائتلاف الصهيونية بعد تفكك حكومة الطوارئ، في ظل احتمالات قرب انتهاء حقبة حكم حزب "الليكود" على رأسه نتنياهو قريبا، وكذا التيارات اليمينية المتطرفة، رغم مساعي ومحاولات إخراج الأزمات إلى خارج الكيان عبر الحروب.

كلمات دلالية: