ذمّ القرآن الكريم موقف المشركين من دعوة الحق، وضرب المثل في موقفهم؛ إبلاغاً في البيان، واستحضاراً للمراد بالعَيان، فقد قال جلَّ من قائل: {وَمَثَلُ الّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُون} البقرة:171. فهذا المثل القرآني يبيّن حال المُشركين من دعوة الإسلام، حيث إنّهم لا يسمعون نداء الإيمان، ولا يَلتفتون إلى دعوة الإسلام، وحالهم هذه كحال الأنعام الّتي يُخاطبها صاحبها، لكن لا تفقه له قولاً، ولا تدرك له مقصدًا.وقد ذكر المفسرون أنّ هذا المثل قد يُراد منه أمرين: الأوّل، تشبيه الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم مع الكفّار بالرّاعي الّذي ينادي بالغنم والإبل، فلا تسمَع إلَّا دعاءه ونداءه، ولا تفهم ما يقول، والمعنى: ومثلك يا محمّد ومثل الّذين كفروا كمثل النّاعِق والمنعوق به من البهائم الّتي لا تفهم. والثاني، أنّ مثل الّذين كفروا في دعائهم الأصنام، كمَثل الصّائح في جوف اللّيل، لا يلقى إلاّ صدًى لصوته وندائه. فهو يصيح بما لا يسمَع، ويجيبه ما لا حقيقة فيه ولا منتفع.والغرض الرّئيسي من ضرب هذا المثل، تنبيه السّامعين أنّ الكفّار إنّما وقعوا فيما وقعوا فيه بسبب ترك الإصغاء، وقلّة الاهتمام بالدّين، فصيرهم من هذا الوجه بمنزلة الأنعام، ومثل هذا المثل يزيد السّامع معرفة بأحوال الكفّار، ويحقّر إلى الكافر نفسه إذا سمع ذلك، فيكون كسرًا لقلبه، وتضييقًا لصَدره، حيث صيره كالبَهيمة، فيكون في ذلك نهاية الزجر والرّدع لمَن يسمعه عن أن يسلك مثل طريقه في التّقليد والاتّباع.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات