38serv
أجمع المتدخلون، اليوم، في الندوة التكريمية للذكرى الـ14 لرحيل الكاتب الكبير الطاهر وطار، أنه كان كاتبا كبيرا فتح أبواب جمعيته "الجاحظية" التي كانت قطبا ثقافيا حقيقيا للمبدعين والشباب، كما أشادوا بدور المثقف النقدي الذي مارسه الراحل طيلة حياته وبأعماله الهامة التي أثرت المشهد الأدبي في الجزائر، كما تناولوا حياته الخاصة وخصاله وميزاته، والتي تتلخص في روح النكتة والصراحة والاستقلالية التي حافظ عليها إلى أن وافته المنية.
نظمت الإذاعة الوطنية الجزائرية (الإذاعة الثقافية) بنادي عيسى مسعودي، ندوة تكريمية في الذكرى الـ14 لرحيل الكاتب الكبير الطاهر وطار، وذلك بالتنسيق مع المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية الجزائر، ونشط اللقاء كل من الأستاذ والروائي والمترجم محمد ساري ومدير المكتبة الرئيسية للمطالعة الأستاذ عبد القادر جمعة والشاعرة والناشطة في الحقل الثقافي فوزية لارادي والبرلمانية السابقة عقيلة رابحي، وحضر اللقاء المدير العام للإذاعة الوطنية محمد بغالي ونجلة الراحل سليمة وطار وجمع من المثقفين والمبدعين الذين عرفوا الراحل وعاشوا معه، خاصة في جمعيته الجاحظية.
وقال المدير العام للإذاعة الوطنية، محمد بغالي، في كلمة افتتاحية للقاء، أنه "كدنا ننسى هذه القامة من قامات الإبداع الجزائري الأستاذ الطاهر وطار، ولكن بفضل هذه المبادرة، نعيد النقاش إلى السطح، حول ما قدمه الطاهر وطار للثقافة، ليس فقط الجزائرية ولكن الإفريقية والعربية والعالمية". وتناول بغالي الجانب الإعلامي في مسار الطاهر وطار باعتباره كان مديرا عاما للإذاعة الوطنية، قائلا: "من سبقوني لهذه المؤسسة يشهدون بأن الأستاذ الطاهر وطار ورغم قصر المدة التي قضاها (سنة أو أقل) على رأس الإذاعة الوطنية، لكنه خلف آثارا إيجابية، منها قوله لأحد الزملاء لما دخل عليه المكتب وقال له مازحا السيد المدير العام، أرى بأن المكتب صغير جدا مقارنة بالمنصب، فرد الطاهر وطار قائلا: المهم أن يكون الأستوديو كبيرا". وأردف بغالي: "هذا الرد من عمي الطاهر يلخص كل ما قدمه للإذاعة الوطنية، وأهمها إطلاقه لقناة القرآن الكريم التي احتفلنا قبل أيام قليلة بالذكرى 34 لإطلاقها، والتي جاءت في وقت كانت الجزائر فيه في أمس الحاجة للعودة إلى إسلام آمن وهادئ ووسطي ينبذ التطرف والعنف".
الطاهر وطار المثقف الملتزم
وأكد مدير عام المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية لولاية الجزائر، عبد القادر جمعة، من جانبه، أن الحديث عن الطاهر وطار "يحتاج لسنوات لنروي القصص والمفارقات التي عشناها معه"، لأنه "إنسان عاش الحياة كمثقف ومبدع".
وتحدث جمعة عن الالتزام في حياة الطاهر وطار كمثقف ناقد، وقال إنه رأينا ذلك في عدد من مواقفه السياسية، فهو الذي رفض جائزة من دولة مصر بسبب موقفه السياسي، وكان ملتزما بالقيم الأساسية للكاتب والمثقف وهي العدل والحق والجمال، مضيفا أنه صنع من الجاحظية مؤسسة ثقافية مهمة في الجزائر، عرفت زيارة رؤساء الحكومة والوزراء والمثقفين والكتاب والمبدعين الأجانب، حيث كانت أول محطة لهم هي الجاحظية، كما كانت للكتاب والصحفيين والمثقفين الجزائريين محجا لهم، مشيرا إلى أن هذا كان مرتبطا بمجهود الطاهر وطار، فقد استطاع أن يحولها إلى قطب ثقافي محوري ارتبط بشخصيته وقبوله للآخر، وكان كل الناس يجدون شيئا عند الطاهر وطار.
كما تدخل مخرج فيلم "آخر كلام" عن الطاهر وطار، الإعلامي محمد الزاوي، وقال إن الطاهر وطار لم تكن له عداوة مع الكتاب باللغة الفرنسية ووصفها بالمغالطة، كما تحدث عن تصويره لفيلمه عن الطاهر وطار، حيث قضى معه 10 أيام وكان فيها وطار يغني الأغاني التراثية للجرموني وبار حدة.
الطاهر وطار.. الكاتب المستقل
من جانبه، تناول الروائي والأستاذ والمترجم محمد ساري الطاهر وطار الكاتب الذي احتفظ باستقلاليته ورفض الترشح لاتحاد الكتاب الجزائريين، لأنه كان تحت وصاية جبهة التحرير الوطني، وانتظر حتى حان الظرف وأسس جمعية "الجاحظية" التي لم تكن تخضع لأية وصاية، مضيفا أن الطاهر وطار كان له مشروع ثقافي، وقد ضحى بكل وقته وجهده وماله دون أن يتلقى سنتيما واحدا، ليعرج على مسار الطاهر وطار في الكتابة، حيث قال إنه بدا قاصا جيدا، فكتب القصة ثم انتقل إلى الرواية بأفكار حداثية، وروايته "اللاز" ما تزال إلى اليوم حداثية، سواء في استخدام اللغة أو الشخصيات، فقد كانت له الجرأة في أن يتطرق إلى مجموع من القضايا المسكوت عنها، ففيها تحدث مثلا عن مشاركة الشيوعيين في الثورة، كما تحدث ساري عن رواية "الزلزال" التي تختلف عن الروايات المكتوبة باللغة الفرنسية الكلاسيكية، فهي رواية حداثية بامتياز، مضيفا حتى روايته "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" رائعة، فالفكرة بحد ذاتها تدل على أن وطار مبدع وفكرتها عبقرية، وهي استحضار الشهداء لانتقاد اليوم وانتقاد الدخلاء، وكذلك رواية "الحوات والقصر".
وتحدثت كل من عقيلة رابحي وفوزية لارادي عن تجربتهما مع جمعية "الجاحظية" والطاهر وطار، وقالت عقيلة رابحي إن وطار كان صاحب نكتة وصريح جدا "كنا معه نعيش السجال الثقافي، كان مثيرا للسجال وشجاعا في طرح المواضيع التي كانت طابوهات، ويرفض الخنوع ويفضل الاستقلالية، ونجح في جعل "الجاحظية" من أهم الجمعيات الثقافية".
ووصفت فوزية لارادي الطاهر وطار بالمحرك الثقافي، فقد كانت "الجاحظية" مقامه الزكي الذي آمن به واشتغل عليه بكل حب، وأضافت "اشتغلت مع الطاهر وطار، وكان مدرسة بالنسبة لي وتقاسمنا الحياة".
في الأخير، تأسف ساري كوننا اليوم لا نجد سيرة ذاتية مفصلة لحياة الطاهر وطار ولا لأعماله مثلما تكتب كل الأمم، منتقدا دور الجامعة الذي غاب في هذا المجال، وتكاسل النخب المثقفة عن البحث وكتابة السير الذاتية، مثلما يحدث في العالم، واقترح تنظيم ملتقى دائم عن أعمال الطاهر وطار، على شاكلة ملتقى بن هدوقة في برج بوعريريج، وجمع كل ما يكتب ويقدم عنه في كتاب.
واستجاب المدير العام للإذاعة الوطنية، محمد بغالي، لنداء محمد ساري، وأعلن عن تكفل الإذاعة الوطنية بنشر كتاب جميل عن الطاهر وطار، يستعيد كل الأشياء الجميلة حوله، ودعا بغالي كل المثقفين الذين عاشوا الطاهر وطار أن يعدوا كتاباتهم وصورهم، وستشكل لجنة للإشراف على هذا العمل، وقال بغالي "أدعو كل الكتاب للمساهمة فيه". كما تم، في آخر اللقاء، تكريم نجلة الراحل الطاهر وطار.